الثورة _ أديب مخزوم:
افتتح في صالة المركز الثقافي في أبورمانة، معرض الفنانة والباحثة والدبلوماسية محمدية النعسان تحت عنوان: (رحلة بالألوان) بحضور بعض المعنيين والفنانين والإعلاميين، ونخبة من جمهور الثقافة والفن التشكيلي، وصدر لمناسبة المعرض كتالوج فني بالألوان تضمن كلمة توضيحية للفنانة، وكلمة لي أنا أديب مخزوم، ولمحة عن نشاطاتها ومعارضها ودراساتها وتخصصاتها، وصور لوحات المعرض، وعنوان كل لوحة ودلالاتها الخطية واللونية والضوئية.
وأول ما يلفت النظر لدى رؤية لوحاتها، هو تنوع المعالجات وتنقلها من أقصى حالات الدقة الواقعية (وخاصة في بعض لوحات الطبيعة الصامتة) إلى أقصى حالات التجريد اللوني الغنائي والهندسي والحروفي، وإذا كان النقد موجهاً للنخبة أو لنخبة النخبة، فإن لوحاتها موجهة للعامة والنخبة معاً.
صورة مشرقة
مجموعة لوحات (بقياسات متوسطة وكبيرة موقعة بين عامي 2014 و 2023 ـ زيت على كانفاس) تعطي الأجانب صورة مشرقة ومغايرة لتصوراتهم عن الفتاة أو المرأة السورية والعربية، ولاسيما أن المعرض استقطب العديد من الأجانب، من معارف وأصدقاء وصديقات الفنانة، وهذا ما نستشفه من الكلمات وباقات الزهور والورود، التي أانتشر عطرها في أرجاء الصالة.
وهي وإن كانت تحافظ على معايير الرسم الواقعي، في بعض لوحات معرضها، إلا أنها في نهاية المطاف، تقدم نفسها كفنانة تجريدية، وتأخذنا بخطوطها المستقيمة والمتقاطعة بزوايا إلى هندسة لونية، تنتمي لعصر الهندسة اللاتقليدية، وصولاً إلى فضاءات لونية متموجة وشاعرية، وكل ذلك يؤكد قلقها وعشقها اليومي للبحث والاختبار التشكيلي والتقني، فالقلق هو وسادة الفنان ـ على حد تعبيرـ بابلو بيكاسو.
ولقد برعت (عازفة الكمان يارا العسه) خلال افتتاح المعرض، بتقديم مقطوعات كلاسيكية شهيرة لكبار الموسيقيين العالميين، ولقد كانت مدونة على نوتات أمامها، محققة بذلك التناغم الحي بين الإيقاعات البصرية والإيقاعات السمعية.
وأعمالها على الصعيد التشكيلي، وخاصة لوحاتها التجريدية لها دلالات غنية ومتنوعة في حركة خطوطها وألوانها، فتنوع 1 وتنوع 2 تتكون من مساحات لونية متجاورة ومتداخلة ومائلة، ولوحة باراف تتكون من حركة شبيهة بحركة التوقيع، أما لوحة إنفصال عميق فهي تتكون من عناصر نباتية بطريقة حديثة، ولوحة فوق المحيطات تجمع بين الواقعية والتجريد، ويتوسط حرف ألف التجريد اللوني الغنائي، أما لوحة إنسجام غامض فغنية بتموجات خطوطها وألوانها ، ومع ذلك تحقق عناصر التقارب اللوني، ونصل إلى لوحة شغف التي تتكون من حركات لونية التفافية ومتداخلة ومتشابكة تذكرنا بأعمال الألماني هانز هارتونغ (رائد التجريد الانفعالي الحركي)،
انفجارات اللون
وفي لوحتها تركيز الدبلوماسية فنجد الانفجارات النووية التي توحي بها انفجارات اللون على مساحة الكرة الأرضية، مروراً بلوحة زلزال شباط 2023 التي تعبر عن انهيار الأبنية بالخطوط المستقيمة المائلة، والمنزاحة عن شاقولية الخطوط التي ترتكز عليها الأبنية، وفي لوحة سحر الخط العربي، تستخدم الحروف وحركاتها كعنصر تشكيلي على خلفية لونية تجريدية، وهذا التنوع اللافت في حركات اللون والخط يظهر من الناحية التشكيلية، الإحساس التلقائي في صياغة حركات اللون العفوي المتتابع من دون توقف، والذي تتوالد من إيقاعاته مؤشرات الإحساس بالموسيقا البصرية، فهي تعزف هنا بحرية وعفوية في أشكالها وألوانها وخطوطها، كما عزفت الفنانة يارا في معرضها، وعلى سبيل المثال تبرز الإيقاعات الموسيقية السريعة في اللوحة عبر الحركات اللونية الانفعالية السريعة، وعلى العكس من ذلك تظهر الإيقاعات الموسيقية الهادئة في اللوحة من خلال اللمسات اللونية الهادئة والبعيدة عن الانفعال والتوتر والقلق الداخلي. ويمكننا أن نشاهد الإيقاع الحواري بين اللمسات اللونية المتجاورة أحياناً، وهذا يسمح ببروز إيقاع موسيقي خاص لدلالة اللون في مساحة اللوحة، ولايمكن في هذا المجال وصف أو تحديد تموجات الحركة اللونية، لأنها مرتبطة باحتمالات لامتناهية على مستوى توليد الإيقاعات الموسيقية البصرية وتحددها فروقات مرهفة شديدة الحساسية تساهم فيها تضاريس المادة اللونية ولمسات الفرشاة وارتجافاتها الانفعالية والعاطفية ومداها الفيزيائي الطبيعي وتنوع الدرجات اللونية وتوضع الطبقات الكثيفة والشفافة وغير ذلك من المؤثرات البصرية اللامتناهية. حيث تظهر الإيقاعات البصرية الموسيقية عبر تلك التموجات الحاملة عصبية وتر اللون ونغم اللمسة التي تختصر بدورها تقاسيم المفردات التشكيلية المسموعة بالعين، فلكل حركة أو لمسة لونية لها موقعها في محاورة الإيقاع الموسيقي المرافق وبالتالي فالإيقاعات اللونية تبرز كصدى لإيقاعات الحركة اللحنية، التي ترافق إيقاعات حركة الرسم أو حركة الفرشاة في خطوات تقريب فن الرسم من تنويعات النغم الموسيقي، فكل لمسة أو حركة لونية تصبح مصدراً من المصادر الأساسية للحركة.