إدمان الأصداء

منذ نحو اثني عشرة سنة رحل عن عالمنا برهان بخاري أحد أهم الأشخاص الذين امتلكوا حضوراً حيوياً في الحياة الثقافية والعلمية السورية، وقد التقى محبوه وخصومه عند نقطتين: ثقافته متعددة الأطياف، وكتاباته الصحفية التي أثارت الكثيرمن الجدل. وليس مجافاة للحقيقة القول: إن الثانية كانت نتاج الأولى وأن كلتاهما كانت نتيجة اجتماع الاهتمام العلمي بالميول الأدبية منذ وقت مبكر من حياته، وتحديداً في الفترة السابقة لحصوله على الشهادة الثانوية ،فعلى الرغم من تفوقه في العلوم وخاصة الرياضيات. كان لديه ميل شديد للأدب، إذ كان مغرماً بقراءة الرواية، والقصة القصيرة، والمسرح، والتاريخ، والفلسفة. ولم يكن يستطيع التوقف عن قراءة عشرات الكتب الأدبية، حتى أثناء فترة تقديمه للامتحانات.

كان للظروف الخاصة التي أتاحت له تعلم العديد من اللغات الأجنبية، ومن عائلات لغوية مختلفة دوركبير في تعميق مفهوم الدراسات المقارنة لديه، وفي حقول متعددة. وكانت تلك المعطيات هي التي أتاحت له أن يصمم لوحة مفاتيح للكمبيوتر (كيبورد) قادرة على التعامل مع جميع لغات العالم. ونفذت شركة (مونوتايب) البريطانية، النموذج الصناعي الأول منها عام 1985، وجرّب على أكثر من سبعين لغة من لغات العالم. وفي وقت لاحق وضع نظاماً صوتياً خاصاً باللغة العربية ،وبدأ البحث عن إمكانية أن يقوم الكمبيوتر بتقطيع الشعر العربي حسب القواعد العروضية العربية. وأجرى عدة محاولات في الكويت وفرنسا وألمانيا وبريطانيا، ونجح أخيراً، بعد عودته إلى دمشق، في ابتكار برنامج يحقق مختلف الأغراض المطلوبة، من عمليات تقطيع الشعر العروضية. وقد بلغت دقة البرنامج مستوى مذهلاً. وهو ما يحتاج الحديث عنه إلى حيز أوسع.

منذ تعرف برهان بخاري على الكمبيوتر أول مرة بدأ رحلة طويلة في عالم التوثيق وإنجاز الموسوعات والمعاجم جعلت من إنجازه الفردي عملاً موازياً لعمل مؤسسات، ومع وفرة العروض التي قدّمت له من مؤسسات تعليمية هامة، وسخائها، فإنه آثر الاستمرار في مشروعه الشخصي متعدد الأوجه، وقد كان حريصاً على أن لا تبقى معارفه واستنتاجاته بعيدة عن الناس منتقداً صراحة الحوار الفوقي والاستعلائي الذي دار، ويدور، بين نخب مثقفة لم تحاول أن تنزل من أبراجها العاجية لتلمس النبض الحقيقي للجمهور الأمي البسيط والعفوي، والذي أمد هذه النخب بأسباب التعلم وبكلّ هذا الصلف والاستعلاء الثقافي ،وقد حرص على الدوام على أن تثير كتاباته الحوار وتدعو للتفكير بما تطرحه بعيداً عن الاتهامات الجاهزة، أو المسبقة، ذلك أن أخطر ما تتعرض له الكتابة الموضوعية – برأيه – هو عملية اتهامها بالممالأة لجهة ما عند ذكرها لأي جانب إيجابي عن تلك الجهة، وهو ما تعرض له شخصياً في بعض كتاباته التي أثارت اتهامات ضده ولم تقابل بردود على ما طرحه.

عبر عنه غير مرة عن حرصه على التواصل مع ناسه، منها يوم قدّم مقاله بالقول إن «هذا هو المقال الرابع الذي أكتبه وأنا بعيد عن أرض الوطن الأمر الذي يعني حرماني من التفاعلات والأصداء لفترة طويلة نسبياً، وأعترف أني حريص جداً على تلك الأصداء التي أدمنت عليها، وليس هذا احتراما للقارئ فقط، بل إنما هو نوع من السعي الحثيث والمشروع للتفكير بشكل جماعي في قضايا أتصور أنها تستأثر باهتمام مشترك لشريحة واسعة من الناس».

وكذلك يوم قال « إن النشر في صحيفة محلية يعنيني أكثر من النشر في صحف عربية واسعة الانتشار لأنها لن تخلق لي سوى جمهوراً مبعثراً».

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم