عن الفساد الإعلامي والثقافي

الملحق الثقافي- أيمن المراد:
الفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه.
التعريف العام لمفهوم الفساد عربياً بأنه اللهو واللعب وأخذ المال ظلماً من دون وجه حق، ما يجعل تلك التعابير المتعددة عن مفهوم الفساد، توجه المصطلح نحو إفراز معنى يناقض المدلول السلبي للفساد، فهو ضد الجد القائم على فعل الائتمان على ما هو تحت اليد (القدرة والتصرف).
يعد الفساد ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية معقدة تؤثر في جميع البلدان. فالفساد يقوض المؤسسات الديمقراطية، ويبطئ التنمية الاقتصادية، ويسهم في انعدام الاستقرار الحكومي. كما يهاجم الفساد أسس المؤسسات الديمقراطية من خلال تشويه العمليات الانتخابية، وتحريف سيادة القانون، وخلق مستنقعات بيروقراطية قائمة على طلب الرشاوى فقط. وقد توقفت التنمية الاقتصادية بسبب تثبيط الاستثمار الأجنبي المباشر.
وتعد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد هي الصك العالمي الوحيد الملزم قانونيًا لمكافحة الفساد. حيث إن نهج الاتفاقية البعيد المدى والطابع الإلزامي للعديد من أحكامها يجعلان منها أداة فريدة لوضع استجابة شاملة لمشكلة عالمية.
ومؤتمر الدول الأطراف هو الهيئة الرئيسية لصنع السياسات في الاتفاقية، حيث يدعم الدول الأطراف والدول الموقعة في تنفيذ الاتفاقية، كما يقدم المؤتمر التوجيهات السياسية إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لتطوير وتنفيذ أنشطة لمكافحة الفساد.
فاتفاقية الأمم المتحدة تساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة على فهم مخاطر الفساد المرتبطة ببيئة عملها، وتحديد مواطن الضعف الداخلية حتى يتسنى لها مكافحة الفساد بفعالية من خلال تخصيص الموارد والتركيز على مواطن الضعف الأكثر عرضة للفساد.
عرّف البنك الدولي الفساد بأنه شكل من أشكال خيانة الأمانة أو الجريمة يرتكبها شخص أو منظمة يُعهد إليها بمركز سلطة؛ وذلك من أجل الحصول على مزايا غير مشروعة أو إساءة استخدام تلك السلطة لمصلحة الفرد. يمكن للفساد أن يشمل العديد من الأنشطة التي تتضمن الرشوة والاختلاس، ويتضمن أيضًا ممارسات تُعد قانونية في العديد من البلدان. يحدث الفساد السياسي عندما يتصرف صاحب المنصب أو أي موظف حكومي آخر بصفة رسمية لتحقيق مكاسب شخصية. الفساد هو الأكثر شيوعًا في الديمقراطيات الهشة والدول النامية، ودول المخدرات، ودول المافيا.
الفساد والجريمة هما حدثان اجتماعيان متوطنان يظهران بشكل منتظم في جميع البلدان تقريبًا على نطاق عالمي بدرجات ونسب متفاوتة. تخصص كل دولة موارد محلية للسيطرة على الفساد وتنظيمه وردع الجريمة. غالبًا ما تُلخَّص الاستراتيجيات التي تُتَّخَذ من أجل مكافحة الفساد تحت مظلة مصطلح مكافحة الفساد.
وسائل الإعلام والتي هي الوسائل المنظمة التي تقوم بنشر الحقائق والآراء والترفيه وغيرها من المعلومات، ومن الأمثلة عليها؛ الصحف، والمجلات، والإعلانات الخارجية، والأفلام، والراديو، والتلفاز، وشبكة الويب العالمية، والكتب، والأقراص المدمجة، وأشرطة الفيديو، وألعاب الحاسوب ويُوصف الإعلام المجتمعي أيضًا بأنه شكل من أشكال المنظمات المدنية الشعبية التي تتيح تبادل الأفكار في العالم بطرق يمكن أن يتردد صداها على الصعيد المحلي، وتتخذ وسائل الإعلام أشكالًا عديدة، وتشمل الشبكات الاجتماعية مثل تويتر وفيسبوك وغيرهما، كما أنها تشمل المدونات التي يتم إنشاؤها بوساطة مواقع مثل بلوجر، وتبادل مقاطع الفيديو مثل اليوتيوب، وخدمات مشاركة وتبادل الصور مثل إنستجرام، حيث لكل منها آثار سلبية وإيجابية.
إن الفساد الإعلامي والفساد الثقافي أخطر من الفساد السياسي، بل أخطر من الفساد المالي، ومن المكن إصلاح الفساد السياسي والمالي، ولكن لا ليس من الممكن إصلاح فساد الثقافة وفساد الصحافة !!!
يعد الإعلام في المرحلة الراهنة أقوى سلاح فكري ومعلوماتي في العالم، إذ يعمل على تغطية الأحداث بشكل آني ومباشر، ويصنعها في حين آخر، بهدف قيادة المجتمعات صوب أجندة القائمين بصناعته، فمن دون شك هناك علاقة حميمة بين المال والإعلام والسلطة، ما يجعل من مهنة المتاعب محركاً أساسياً في لعبة الصراعات الدولية.
إن الهدف من صناعة الإعلام هو تغطية الأحداث والحصول على أرباح مادية عن طريق الإعلانات التي باتت مصدراً رئيساً لتمويل الكثير من وسائل الإعلام المتطورة، لكن واقع العمل الإعلامي يشير إلى وجود دوافع أخرى تتخطى مجرد جني الأرباح، إذ إن هيمنة الإعلام على مختلف الصعد ودوره في تشكيل الرأي العام يمكن يكون عنصراً أساسياً في تجنيد الجمهور لأجندة خاصة غير معروفة المقاصد، قد تخبئ وراءها أسرار الصناعة الإعلامية.
إذ يؤدي الإعلام العصري أدواراً حيوية يمكن أن تسهم في بناء أو هدم أي مجتمع من المجتمعات، ما يعني أنه سلاح ذو حدين، لذا يجب الحذر الشديد من الفساد الإعلامي واستشرائه بين الجمهور، وذلك عبر نشر الشائعات أو مهاجمة تيارات نافعة للمجتمع أو الترويج لتيارات فاسدة لحساب أي جهة أو تحريك الرأي العام أو تجميده، وخصوصاً أن العصر الراهن يشهد خلطات إعلامية يصعب فرزها أو تصنيف أهدافها، فهي ليست مقصودة بما تحمله الكلمة من معنى، وفي الوقت نفسه ليست تلقائية، وهذا يعني أنه لا يوجد في وقتنا إعلام متزن.
لكن ما يشهده عالم الإعلام في الآونة الأخيرة من فساد وانتهاكات على غرار سرقة الملكية الفكرية للمواد الإعلامية ونسبها للذات، وخاصة عبر وسائل الإعلام الإلكتروني، بل انتقل الإعلام من الفاسد إلى المفسد من خلال المساهمة في إذكاء الطائفية وزرع الأفكار المغلوطة، وهذا يحتاج لمواجهة حاسمة ليست فقط بالقانون ومواثيق الأخلاق، ولكن عبر تثقيف وتوعية المجتمع بشكل شامل، وكذلك بتبني حملات ودعوات يتم تدشينها لمواجهة طوفان الفساد الإعلامي الذي يهدد المجتمعات على الصعد كافة.
فعلى الرغم مما يشكله الإعلام من فضاء مثالي للتعبير عن الرأي في بعض المجتمعات، ونقل الأحداث والمعلومات وتبادل الآراء، فضلاً عن مساهمته بشكل كبير في تطوير المجتمعات من خلال التثقيف والتعليم وتشكيل الرأي العام وغيرها الكثير من الوظائف الأخرى، لكن في الوقت نفسه فإن الغزو الإعلامي للمجتمعات النامية ترك آثاراً سلبية في شتى المجالات وخاصةً المجال الإعلامي والثقافي، فوكالات الأنباء العالمية بما تمتلك من قدرات على نقل أخبار العالم، وتشكيل التصورات عن الأشخاص والشعوب والثقافات، والتحكم بالاتصالات الدولية من خلال الأقمار الصناعية، إضافة إلى الهيمنة على السوق التجاري إنتاجاً وتسويقاً لصناعة وتشكيل العقل البشري من خلال البرامج والأفلام والمجلات، وهو ما خلق حالة استلاب واضحة لدى الكثير من البلدان النامية ولاسيما بلدان الوطن العربي، وتتمثل هذه الحالة بالاعتماد الشامل في معرفة وتناقل الأخبار على وكالات الأخبار الأجنبية وإهمال المصادر المحلية في معرفة الأخبار على الرغم من أن هذه المصادر المحلية هي أقرب من مثيلاتها، وعليه فان الإعلام بات النظام العالمي الجديد في عصرنا الراهن، من خلال ما يقدمه من خدمات واسعة النطاق وعلى أكثر من صعيد سواء أكان ايجابياً أم سلبياً، ولاسيما في هذا العصر الذي أحدث فيه الإنترنت والتكنولوجيات الجديدة ثورة في هذا القطاع وفي المجتمع كله حتى صار اليوم الإعلام ميداناً عالمياً في مجالات الحياة العامة كافة.
تشكل وسائل الإعلام المنتشرة «مجتمعًا جماهيريًا» يتسم بخصائص معينة، ولاسيما العزلة أو الافتقار إلى الصلات الاجتماعية، ما يجعل المجتمع عرضة على نحو خاص لتأثير تقنيات الإقناع الحديثة مثل الدعاية، ويعد فك شيفرة ما هو صحيح وما هو غير صحيح صعبًا؛ لأن وسائل الإعلام تتغلغل في المجتمع بأكمله، فإن مداها وتأثيرها هائلان، وإن مسؤولية المشاركين في هذا النوع من الاتصالات كبيرة، إضافة إلى أن اتجاه المجتمع البشري في المستقبل يمكن أن يعتمد عليهم.
الفساد الثقافي نوع آخر من أنواع الفساد الذي يصيب الثوابت العامّة لدى المجتمع، فيتغلغل إلى الهُوِّية والموروثات، ويحدث في الأغلب بحجّة حرّية الرأي أو حجّة الإبداع، ومن خلال الوسائل مناهج التعليم، ما حدا بالبعض إلى القول بصعوبة الإجماع على إدانته أو سنّ التشريعات لتجريمه.
إن أهم وسائل الفساد الفكري والثقافي هو حالة الانفتاح الكبيرة على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي دون قوانين ضابطة، حيث يعد البعض معلومة شبكات التواصل حقائق، ويبدأ بتداولها على هذا الأساس دون بحث وتدقيق، ومثال على ذلك أمور تمس الشخصيات العامة، باستخدام صور تعدل مكوناتها لتظهر على غير حقيقتها.
ومن الصور الخطيرة طرح أفكار مرفوضة وسط مجموعة من الأفكار الجيدة، ويدخل السم في الدسم، وقد تؤدي هذه الأفكار إلى تكفير أفراد في المجتمع أو رفض الآخر أو إباحة التعدي عليه،الفساد الثقافي يأتي أيضاً من انتشار وسائل الترفيه والثقافة والفن دون مراقبة، ومن أخطرها برامج الأطفال التي تحتاج لرقابة شديدة ومتواصلة، والمسلسلات التي تبيح السلوكيات المجتمعية غير المقبولة، فتنقلها إلى سلوكيات ممكن الحديث عنها لتصل في النهاية لاعتبارها سلوكيات لاعيب فيها.
هذه الصور من الفساد يجب أن تحارب بقوة، لأنها جرائم بحق الفرد والمجتمع، لا تدخل ضمن الجرائم التي يعاقب عليها القانون إلا بعد أن تصبح عملاً قائماً بذاته يستحق العقوبة، إن محاربة هذا النوع مسؤولية المجتمع بكامله من مدرسين ورجال الدين والدعاة والأسرة والإعلام ووزراة الثقافة ووزارة التربية بشكل خاص، ويجب البحث في أشكالها وطرق مقاومتها، وسن القوانين الناظمة للعمل الإعلامي والدعائي والتعامل مع شبكات التواصل دون المساس بحق الفرد بالتعبير والسؤال وإبداء الرأي.
               

       

العدد 1154 –  8-8-2023    

آخر الأخبار
الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها