لم يكن عرضاً اعتيادياً ذاك الفيلم التوثيقي الذي حمل اسم” الصليب المكسور” فقد تميز بمعلومات غزيرة إن كان على صعيد الصورة أو على صعيد الأرقام والإحصاءات، هذا إلى جانب التعليق الصوتي الذي تميزت صاحبته بنبرة خاصة كانت تشي بأهمية كلّ كلمة وكلّ مشهد وكلّ رقم يسجل ليوضح حقيقة ما أصاب تلك المدينة” إدلب” وأهلها من ظلم الإرهاب وبطشه.
هذا الفيلم التوثيقي الذي استطاع صنّاعه عبر ترجمته إلى لغات عديدة أن يحولوه إلى رسائل تبث إلى العالم لإظهارحقيقة هؤلاء الغرباء الذين غزوا بلادنا على غير وجه حق، وعاثوا فيها الخراب والدمار والتهجير، وليكون الشاهد الحي على مرحلة هي الأقسى على الشعب السوري الآمن بما خلفته أعمالهم من تبعات انعكست على حياتهم الاجتماعية وقضت مضجعهم.
ومن هنا ندرك أهمية التوثيق بأشكاله كافة” المكتوب والمرئي والصوتي” وخصوصاً أننا في زمن تكنولوجيا المعلومات وسهولة الحصول على ملفات وعناوين بلمسة على محرك البحث.
وهذا بالطبع يضعنا أمام مهام جليلة في تدوين كل ما من شأنه أن يوثق لمراحل اجتماعية وثقافية وفكرية، لتكون مرجعاً للأجيال للاطلاع على أحداث ووقائع تركت آثارها ولا تزال حاضرة في ذاكرتنا وترفض أن تغادرنا، لأنها باتت تشكل جزءاً من تاريخنا.
ولا نأت بجديد عندما نقول :إن التوثيق هو ذاكرة وطن وهوية شعب وربما هو التاريخ بعينه، وعليه يجب أن نتقن فن التوثيق لربط الأجيال بحاضرهم وماضيهم ومحاولة السير على نهج آبائهم في الحفاظ على تركة من التراث والعراقة هي في الغنى لا تضاهى.
ولا ضير في إدراج مادة التوثيق في المناهج الدراسية وأن يخصص يوم للاحتفال بيوم التوثيق الوطني يتم فيه تسليط الضوء على إرثنا الحضاري عبر زيارة المتاحف والمواقع الأثرية وأسواق المهن اليدوية، والاطلاع على تراثنا المادي واللامادي ترسيخاً لمفهوم المواطنة والاعتزاز بهويتنا وأصالتنا لعبور المستقبل بخطىً ثابتة وعقيدة راسخة وإيمان لا يتزعزع بالنصر.