الثورة _ فاتن دعبول:
«لا يوجد ما هو أقسى وأشد مرارة من اقتلاع إنسان من أرضه وبيته وبيئته وذاكرته، وهذا للأسف ما حصل لـلسوريين في كل المحافظات ومن كل المكونات ومنهم 50 ألف مسيحي سوري عاشوا بسلام وحب مع مكونات مجتمعهم السوري ..»
بهذه الكلمات عبر المخرج نجدت أنزور في العرض الخاص للفيلم الوثائقي «الصليب المكسور» الذي عرض في دار الأسد للثقافة، قاعة الدراما، وبين أن الفيلم يحكي جزءاً من الحقيقة التي حدثت في ريف إدلب والمعاناة التي تعرض لها مسيحيوها من قتل وتهجير وهدم لمنازلهم، دون مراعاة أنهم يشكلون مكوناً أساسياً من مكونات الشعب السوري، وساهموا في بناء دعائمه وترسيخ بنيانه.
وأضاف: نشهد اليوم سياسة غربية فريدة من نوعها تعمل على تهجير المسيحيين السوريين، ونعمل من خلال هذا الفيلم على التصدي لهذه الأعمال الإرهابية، وحاولنا من خلال فريق العمل الحصول على أكبر عدد من الوثائق الحقيقية، في محاولة لوضع يدنا على الجرح، لأننا نؤمن بأن للفن دوراً مهماً وخطيراً في التصدي للحرب من خلال عدة أفلام وهي مترجمة لعدة لغات، وقد سبق عرض الفيلم في هولندا وبلجيكا وسيعرض في العديد من دول العالم عبر الناس الشرفاء الذين يهمهم الحفاظ على النسيج الجميل الذي تأسس عبر قرون عديدة.
وأوضح أنه من الأهمية بمكان التصدي للمشروع التقسيمي الإرهابي التكفيري، والفيلم هو بداية موفقة لطرح هذا الموضوع عالمياً وكشف سياسة الغرب التي تكيل بمكيالين في سورية، وعلى كل شخص من خلال موقعه وأدواته يستطيع أن يعبر عن هذا الظلم الذي يقع على سورية والشعب السوري، والسينما مهمة جداً وهي ترافق البندقية في سبيل تحرير سورية من الإرهاب ومن جميع التنظيمات المسلحة المأجورة التي تعبث على الأرض السورية.
وثائق حقيقية
وكان ابن محافظة إدلب د.كمال محمد كمال الجفا أول من راقب دخول الإرهابيين إلى أرياف مدينة إدلب، وكان يقوم بجولات أسبوعية على القرى الحدودية، واستطاع أن يوثق جرائمهم التي كانوا ينفذونها تحت غطاء ما يسمى «المعارضة السورية»، يقول:
جميع الجرائم وعمليات تهجير أهالي جسر الشغور وحوض سرير نهر العاصي كان الإرهابيون التركستانيون هم رأس الحربة فيها، واستطعنا بمساعدة الوطنيين الشرفاء توثيق الأحداث التي جرت في هذه المحافظة، وقد تعرض قسم منهم للقتل أو الأحكام الطويلة ومنهم من دفع حياته ثمناً لذلك، ولكن حجم الوثائق كبير جداً ولدينا حوالي 350 فيلماً لم يعرض حتى الآن.
وأضاف: أسعى من خلال هذه الأفلام إلى استثمار الصورة التي تتلاءم مع النص والهدف، فعندما نملك الصورة والصوت والورقة نستطيع أن نصل إلى الرأي العام، وخصوصاً عندما تكون الوثائق حقيقية وليست بناء درامياً.
ضوء ينير مستقبل سورية
وبين البطريرك افرام الثاني بطريرك السريان الأرثوذكس أن الإرهابيين عملوا ليس فقط على تهجير المسيحيين بل قاموا بهدم بلد بأكمله وحاولوا قتل الحياة في الإنسان السوري ولكنهم لم يستطيعوا، وما جاء في الفيلم هو جزء يسير مما حدث في هذه المدينة، ومن قاموا بهذه الأعمال الإرهابية هم مأجورون وأيد عبثية للغرب المتوحش، ولكنهم لن ينجحوا في مهمتهم.
الفن يتحدث
وتبين د.ربا ميرزا عضو مجلس الشعب أنه في زمن الصمت يتحدث الفن، وفيلم» الصليب المكسور» يحكي عن الإرهاب المركز والمؤامرة الحقيقية التي شنت على بلادنا، فقد استهدف الإرهابيون إدلب وكان هدفهم التغيير الديمغرافي وتغيير النسيج المجتمعي، وخصوصاً المسيحيين، ما أدى إلى خلو المنطقة من مسيحييها، علماً أنها تضم أعرق الكنائس عمقاً في التاريخ، وكان لها أثر كبير في التاريخ وعلم الآثار.
وأضافت: إن المؤامرة أثبتت دخول إرهابيين وقتلة مجرمين إلى المدينة وعاثوا فيها الدمار والخراب بتخطيط ممنهج للقضاء على مسيحيي هذه المنطقة، لأن إدلب كانت نموذجاً للعيش المشترك وللسلام وكانت لهم بصمات في بناء سورية وصمودها، وتشكل جزءاً مهماً من النسيج السوري الفاعل.
المحتل زائل لا محالة
وفي كلمته بين د.غسان الشامي أن إدلب تملك تاريخاً عريقاً عمره آلاف السنين، ولن تستطيع تنظيمات الإرهاب وميليشياته مهما تعددت وتلونت أساليبها أن تمحو هذا التاريخ، وإن كانت عبارة الصليب المكسور ترمز لآلام مسيحيي هذه المنطقة المنكوبة، فإن هذا الصليب سيتحول إلى سراج يضيء هذه المدينة من جديد، ومهما بقي هذا المحتل فإنه سيرحل، وسيبقى زيتون هذه البلاد شاهقاً وخصيباً ولن يصبح نبيذها خلاً، وسورية العظيمة ستنهض من جديد قوية منتصرة تعانق عنان السماء.
حقل ألغام
ولم يكن العمل في هذا الفيلم سهلاً كما يبين ذلك المخرج يزن، ويقول: الموضوع صعب وحساس يشبه السير في حقل ألغام، فكل ما نبحث عنه هو الحقيقة عبر الوثائق التي تضم الكثير من المعلومات، وعلينا اختيار ما يدعم فكرة الفيلم ويوصل صوت سورية إلى العالم بطريقة مقنعة، ونتيجة لعدم إمكانية الدخول إلى إدلب كان الاعتماد على أرشيف العديد من الأشخاص للوصول إلى أكبر عدد من الوثائق ولكن كانت النتائج مرضية.
وأوضح أنه يسعى من خلال أفلامه إلى تسليط الضوء على الناس والتوجه إلى الجانب الإنساني للحياة عبر الحديث عن الناس ومعاناتهم في أفلام قادمة ستكون على درجة من الجرأة والمثيرة للجدل وبوطنية عالية بهدف البناء والسير نحو المستقبل بخطى قوية.
والفيلم في عرضه الخاص امتاز بحضور لافت لشخصيات دينية واعتبارية وعدد من أعضاء مجلس الشعب والإعلام والمهتمين بالشأن الثقافي والفني.