من الجغرافيا الإنسانية إلى النقدية

الثورة _ ديب علي حسن:
كل يوم يتحفنا العلم بجديده في المصطلحات وغيرها وتقوم الترجمة لتكون جسراً لنشر هذه المفاهيم والمصطلحات ..الجديد الذي لم يترجم كثيرًا إلى العربية مصطلح النقد الجغرافي وقد فعلت الهيئة العامة للكتاب حسناً إذ أصدرت هذا الكتاب الذي حمل عنوان:
(النقد الجغرافي… الواقع، الخيال، الفضاء)، تأليف: بيرتراند ويستفال، ترجمة: د. غسان بديع السيد.

ما النقد الجغرافي؟ هذا هو السؤال الذي يتبادر إلى ذهن كل من يقرأ عنوان هذا الكتاب (النقد الجغرافي – الواقع، الخيال، الفضاء).. وعلى الرغم من أن العنوان الفرعي يوضّح جزئياً المقصود بالنقد الجغرافي، إلا أنه لا يكفي للحصول على مفتاح يساعد في فتح باب هذا المجال الجديد الذي لا يذكره النقاد عادة بين الاتجاهات النقدية المعروفة.. يجب أن نعترف، منذ البداية، أنه ليس من السهل الإجابة عن سؤال (ما النقد الجغرافي؟) إلا بعد قراءة عمل الأستاذ في جامعة ليموج الفرنسية، بيرتراند ويستفال الذي فتح الباب، مع آخرين، أمام هذا النوع من الدراسة منطلقاً من الثورة التي أحدثتها الحداثة وما بعد الحداثة، والتي أدت إلى تغيير النظرة تجاه كل شيء في الحياة، بما في ذلك مفهومات الفضاء والمكان والزمان والخيال.
محطات ..
وبالعودة إلى المصطلح تقدم المعطيات الكثير من المعلومات حول ذلك ومنها ما جاء في الموسوعة الحرة اذ تقول :
اتخذت نظرية الجغرافيا النقدية نهج النظرية النقدية (مدرسة فرانكفورت) لدراسة وتحليل الجغرافيا ويمكن النظر إلى تطور الجغرافيا النقدية كنقطة من أربع نقاط تحول كبرى في تاريخ الجغرافيا (الثلاث الأخرى هي الحتمية الجغرافية والجغرافيا الإقليمية والثورة الكمية).. وعلى الرغم من أن نهج ما بعد النظرية الوضعية يظل مهمًا في الجغرافيا، فإن الجغرافيا النقدية نشأت كنقد للوضعية التي أدخلتها الثورة الكمية.
نشأت مدرستان فكريتان رئيسيتان في الجغرافيا البشرية وكانت هناك مدرسة واحدة قائمة وهي (الجغرافيا السلوكية) والتي عادت مرة أخرى لفترة وجيزة.. سعت الجغرافيا السلوكية لمواجهة الاتجاه المتصور للجغرافيا الكمية للتعامل مع الإنسانية كظاهرة إحصائية.. وانتعشت لفترة وجيزة خلال عقد السبعينيات وسعت لتوفير فهم أوسع لكيفية إدراك الناس للأماكن واتخاذ القرارات المكانية وتحدت النماذج الحسابية في المجتمع، ولا سيما استخدام تقنيات الاقتصاد القياسي.. لكن أدى عدم وجود قاعدة نظرية سليمة إلى تعرض الجغرافيا السلوكية للنقد كمجرد نظرية وصفية ترقى قليلاً عن عمل قائمة الأماكن المفضلة.
برزت نظرية الجغرافيا الأصولية خلال السبعينيات والثمانينات حيث أصبح القصور في أساليب المدرسة السلوكية واضحاً وسعت لمواجهة أساليب النظرية الكمية للموضوعيين بالتقنيات المعيارية المستقاة من الأساليب الكمية للنظرية الماركسية, ونادت بعدم جدواها ما لم تقدم بدائل أو حلولاً للمشاكل.
في النهاية يمكن القول بأن أكثر المدارس الثلاث نجاحًا كانت الجغرافيا الإنسانية، حيث شكلت في البداية جزءًا من الجغرافيا السلوكية لكن اختلفت جذريًا عنها باستخدام الأساليب الكمية في تقييم السلوك البشري والأفكار لصالح التحليل النوعي.. تستخدم الجغرافيا الإنسانية العديد من التقنيات التي تستخدم الإنسانيات مثل تحليل المصدر واستخدام النصوص والأدب في محاولة «للوصول للب» الموضوع (الموضوعات).. علاوة على ذلك تم إحياء الجغرافيا الثقافية بسبب المجالات الجديدة لدراسة الجغرافيا الإنسانية مثل الجغرافيا النسوية حيث بدأت جغرافيا ما بعد الحداثة والبنيوية في الظهور.
لا يزال هناك بعض الأسئلة المُهمة التي لم تجد لها الحلول في الجغرافيا النقدية أولها أنه كان هناك مناقشة محدودة نسبياً بشأن الالتزامات المشتركة بين الجغرافيين النقديين، مع بعض الاستثناءات مثل هارفي (2000) بعض من هذا الأسئلة التي تحتاج إلى إجابة على سبيل المثال: «ما هي النقاط النقدية التي يقف عندها الجغرافيون»، «وإلى أي مدى». يُعلِّق بارنز بأن الجغرافيين النقديين هم أفضل في توفير التشخيص الإيضاحي من تقديم خيال استباقي-مثالي لإعادة تشكيل العالم.
يتعلق السؤال الثاني بمأسسة الجغرافيا النقدية.. حيث على الرغم من نظرة الجغرافيين النقديين لأنفسهم كمتمردين وغُرباء إلا أن التفكير النقدي قد أصبح سائداً في الجغرافيا.. تقع الجغرافيا النقدية الآن في صميم تخصص الجغرافيا يرى البعض أن المأسسة هي النتيجة الطبيعية لمدى القوة التحليلية وأفكار الجغرافية النقدية، بينما يخشى آخرون أن تكون المأسسة قد شملت «التعاونية». السؤال هو ما إذا كانت الجغرافيا النقدية لاتزال تتمسك بالتزامها في التغيير السياسي.
وأخيراً، بما أنه يتم ممارسة الجغرافيا النقدية في جميع أنحاء العالم، فإنه ينبغي تسليط الضوء بصورة أفضل على أفكار ورؤى الجغرافيين النقديين خارج العالم الناطق بالإنجليزية.
في هذا الصدد، عرض ميزوكا (2005) نظرة عامة على التطبيق العملي للجغرافيا النقدية اليابانية منذ عشرينات القرن الماضي.. بالإضافة إلى ذلك، يتوجب على الجغرافيا النقدية إنشاء صلة أقوى مع العلماء النقديين في تخصصات أخرى.
كتاب (النقد الجغرافي… الواقع، الخيال، الفضاء)، تأليف: بيرتراند ويستفال، ترجمة: د. غسان بديع السيد، صادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2023.

آخر الأخبار
"تقصي الحقائق" بأحداث السويداء تلتقي المهجّرين في مراكز الإيواء في إزرع علاقات اقتصادية مع روسيا في إطار تبادل المصالح واحترام السيادة الوطنية تعاون سوري – عُماني لتعزيز القدرات في إدارة الكوارث شراكة جديدة لتحديث التعليم وربط الشباب بسوق العمل زيارة الوفد الروسي.. محطة جديدة في العلاقات المتنامية بين دمشق وموسكو سوريا وروسيا تبحثان بناء شراكة قائمة على السيادة والمصالح المشتركة سوريا: الاعتداء الإسرائيلي على قطر تصعيد خطير وانتهاك سافر للقانون الدولي الشيباني: سوريا تفتح باب التعاون مع روسيا.. نوفاك: ندعم وحدة واستقرار سوريا استهداف قيادات حماس في الدوحة.. بين رسائل إسرائيل ومأزق المفاوضات "إدارة وتأهيل المواقع المحروقة للغابات" في طرطوس تحالف يعاد تشكيله.. زيارة نوفاك  لدمشق ملامح شراكة سورية –روسية  دمشق وموسكو  .. نحو بناء علاقات متوازنة تفكك إرث الماضي  بين إرث الفساد ومحاولات الترميم.. هل وصلت العدالة لمستحقي السكن البديل؟ حلب تفرض محظورات على بيع السجائر.. ومتخصصون يؤيدون القرار 1431 متقدماً لاختبار سبر المتفوقين في حماة أسواق حلب.. وجوه مرهقة تبحث عن الأرخص وسط نار الغلاء دمشق وموسكو.. إعادة ضبط الشراكة في زمن التحولات الإقليمية "اللباس والانطباع المهني".. لغة صامتة في بيئة العمل المغتربون.. رصيد اقتصادي لبناء مستقبل سوريا الأردن: القصف الإسرائيلي على سوريا تصعيد خطير وانتهاك للميثاق الأممي