الثورة – هفاف ميهوب:
“إننا أمّة مهدّدة بالأيديولوجية التي أبادت الهنود الحمر، وبأحفاد القتلة الذين مارسوا هذه الإبادة”..
هذا ما قاله “منير العكش” الذي يُعتبر من أهم الباحثين العرب في الدراسات الأمريكية.. الباحث والمؤرخ الذي أشار في كتابه “أميركا والإبادات الثقافية” إلى أنه تردّد كثيراً قبل استخدام هذا المصطلح، وأن سبب هذا التردّد:
“ليس لأن هذا المفهوم أكثر التباساً ولؤماً، من مفهوم الإبادة الجسدية، وإنما لأننا أمام فكرة أميركا التي احتلّت أرض الغير، واستبدلت شعباً بشعب، وثقافة بثقافة، وأمام أكبر حرب إبادة في التاريخ الإنساني، وأمام دمار ثقافات ما لا يقلّ عن ٤٠٠ أمّة وشعب، كانوا يعيشون في المنطقة التي تسمّى اليوم بالولايات المتحدة، ولا يَسمح لنا التاريخ، ولا المسؤولية الأخلاقية والإنسانية، أن نتناسى أو نتجاهل أو نتحايل على هذا المصطلح”..
لم يكن هذا الكتاب هو الوحيد الذي استخدم فيه “العكش” هذا المصطلح، فقد استخدمه قبل إصداره بسنوات، وفي “أميركا والإبادات الجماعية”. الكتاب الذي بدأ بكتابته، منذ السنة الأولى لدراسته في الولايات المتحدة، وبعد أن ألحّت عليه الرغبة، بمعرفة ما جرى للشعوب الأميركية الأصلية.. الشعوب التي علم لاحقاً، بأن “عددها كان يزيد على ١١٢ مليون إنسان، لم يبقَ منهم في إحصاء أول القرن العشرين، سوى ربع مليون”..
هذا ما اكتشفه ووثّقه، وأكّده بالأرقام والإحصائيات، وضمن إصداراتٍ كشف فيها، جميع الأساليب الوحشية التي مارستها أميركا ضدّ الشعوب التي استعمرتها، وسعت إلى استبدال أرضها وثقافتها وعاداتها، ودون أن تكتفي بذلك، بل قامت أيضاً: “بتجريد ضحاياها من إنسانيتهم، وتفريغ عقولهم من أيّ محتوى، وتفانت في تشويه ماضيهم وثقافاتهم ودياناتهم وأنظمتهم الاجتماعية”..
وثّق “العكش” ذلك، وغيره مما اقترفته أميركا من إبادات ضد الهنود الحمر، الشعب الأصلي لأميركا، التي أشار إلى كونها “فكرة اسرائيلية خرجت من نصوص التلمود، وتمّ تطبيقها بقوة السلاح، وعنف ووحشية حامليه وصنّاعه”..
كلّ هذا وسواه، دفع هذا الباحث، لإطلاق ألقابٍ كثيرة على أميركا، ومن هذه الألقاب: “الوباء البديع”.. “الجنس اللعين من المتوحشين”.. “العنصريّة التي تسلّلت بكلّ ساديّتها إلى مملكة الموت”..
أطلق عليها هذه الألقاب، بعد أن اكتشف مقدار بربريّتها ودمويّتها، ودون أن يتوقف عن تقديم المزيد مما يكشف ذلك، وبالأرقام والوثائق والشهادات، ولا سيما شهادات الهنود الذين نجوا من الإبادة، دون أن تنجو ذاكرتهم من صورها الوحشية التي توالت بإجرامها وعنصريتها، عندما “بدأت باستباحة أجسادهم، وتدمير مظهرهم الخارجي، وهويتهم الثقافية، وفي معسكرات أسمتها زوراً بالمدارس، وهي مقدمة لانتزاع عقل الطفل الهندي، واستبداله بدماغ أبيض، عامر بذاكرة الغزاة، ولغتهم ومزاجهم وأخلاقهم ودينهم..”..
إنه جزءٌ يسير مما أورده “العكش” في كتبٍ، كان أفطع ما اكتشفه ووثّقه فيها عن الإبادات الأميركية: “صار قطع رأس الهندي، وسلخ فروة رأسه، من الرياضيات المحبّبة في أميركا، بل كان الكثير منهم، يتباهى بأن ملابس صيده وأحذيته، مصنوعة من جلود الهنود”..