ما من شعب إلا وتعرض للمحن، من حرب ومجاعات وكوارث طبيعية، وغير ذلك، هنا تظهر معادن الناس وقدرتهم على بلسمة الجراح والخروج بأقل الخسائر مما وقعوا به، آلاف الطرق والوسائل والسبل إلى ذلك، وكلها تقوم على أساس واحد هو القيم والأخلاق، ودائماً نردد الواقعة الألمانية التي تروي أن رجلاً حاول اختراق نظام الدور للحصول على أمر ما، نظرت إليه سيدة تنتظر وقالت: صحيح أننا خسرنا الحرب، لكننا لم نخسر الأخلاق والنظام.
نحن في سورية ربحنا الحرب على العدوان بألوانه كافة، واستطعنا أن نبدل من قواعد الاشتباك ونؤسس لعالم متعدد الأقطاب، صحيح أن الحرب لما تنته بعد، ولها ذيولها ومفاعيلها، وتجدد وسائل حصارها، وندفع الثمن، نكتشف الكثير من المآسي التي وقعت بسبب العدوان، ولنكن منصفين أيضاً نكتشف كم لدينا من ضعاف النفوس، ومن يتاجرون حتى بلقمة أبنائهم، لايهمهم إلا المزيد من الربح، وهؤلاء أشد عدوانية من الإرهاب، فالعدو الخارجي ظاهر لك وتعرف كيف تحاربه وتقاومه وتصدّ آثامه وشروره، ولكن هؤلاء الآفة الكبرى.
ومع ذلك ليس هذا المشهد كله، ولايمكن أن يكون، فلولا المعدن الأصيل والنقي والصلب والشفاف لشعبنا لما كان هذا النصر ولولا القدرة الاجتماعية والأخلاقية التي ظهرت جلية واضحة عند معظم الشعب السوري لكانت الأمور أسوأ مما هي سيئة الآن.
وكما يقال في المثل العامي (إن خليت بليت)سورية لم ولن تخلو، ولادة بكل شيء، أصابع الندى التي تبلسم الجراح وتزرع الأمل موجودة وهي تزداد حضوراً وقوة، وهذا وقت عطائها، في الجعبة الكثير من حكاياها ستروى يوما ما، كما ستروى حكايا خزي من يتاجر بلقمة عيشنا ودمنا.