كان دوري في مؤتمر الصناعات الإبداعية الذي استضافته مكتبة الأسد يومي الأربعاء والخميس الماضيين الحديث في محور (دعم الدولة للصناعات الإبداعية) وعن الفن التشكيلي تحديداً، وعن الإمكانيات والمبادرات الموجودة.
بدأت أولى مبادرات الدولة لدعم الفن التشكيلي منذ منتصف عشرينات القرن الماضي، حيث شهدت تلك المرحلة عدة محاولات للانتقال بالفن التشكيلي السوري من حالة النشاط الفردي، إلى حالة الاهتمام الاجتماعي، فالرسمي، حيث أقيم أول معرض للفن التشكيلي عام 1926 في مدرج جامعة دمشق، وكانت له لجنة تحكيم وجائزة، ثم أقامت وزارة المعارف عام 1940 أول معرض رسمي في كلية الحقوق بدمشق (مبنى وزارة السياحة حالياً)، وإليهما أقيمت عدة معارض جماعية منها: معرض معهد الحرية (اللاييك) عام 1944، ومعرض نادي يقظة المرأة الشامية، ومعرض بناية الحقوق (1942)، ومعرض التجهيز الأولى (1945) وكان المعرض الرسمي الثاني لوزارة المعارف. إلا أن تمثلت الخطوة الأكثر أهمية في دعم الدولة للفن التشكيلي تمثلت بإقامة المعرض السنوي عام 1950 وهذا ما يجعله أحد أقدم المعارض الدورية العربية، وقد قامت بتنظيمه وزارة المعارف، التي حل محلها اليوم وزارتا التربية والتعليم العالي، بالشراكة مع مديرية الآثار والمتاحف. وشارك فيه 30 فناناً عرضوا 88 لوحة، اعتمدت دورات السنوات الأولى أسلوب الجوائز كتعبير عن دعم الدولة للفن التشكيلي، فقدمت جوائز مالية إلى الفائزين الثلاثة الأوائل في التصوير والنحت، مع زيادة عدد الأعمال الفنية التي تم اقتناؤها من قبل مديرية الآثار العامة، تأسس عام 1953 فرع الفن الحديث في المتحف الوطني، وقد أقيم في الطابق الأول من الجناح الشرقي الذي تم الانتهاء من تشييده ذلك العام، في حين خصص الطابق الثاني للمعارض المؤقتة، الأثرية والفنية.
ويحتفظ المتحف اليوم بمجموعة بالغة الأهمية من أعمال التشكيليين السوريين، وخاصة الأجيال الأولى منهم. وحين تأسست وزارة الثقافة بعد قيام الوحدة بين مصر وسورية عام 1958 انتقلت مسؤولية تنظيم المعرض إلى دائرة الفنون التشكيلية والتطبيقية فيها، والتي تحولت منذ عام 1966 إلى مديرية الفنون الجميلة، وكان هناك حرص على استمرار (المعرض السنوي) وتطويره. فقامت المديرية عام 1959 بقسم المعرض إلى اثنين :(معرض الربيع) في حلب، و(معرض الخريف) في دمشق وألغت مبدأ الجوائز واستبدلته بسياسة الاقتناء فقامت وزارة الثقافة باقتناء 21 عملاً بين لوحة ومنحوتة. وقامت وزارة التربية باقتناء 19 عملاً، ومديرية الآثار والمتاحف 15عملاً، ومديرية حصر التبغ والتنباك 4 لوحات، واقتنيت 4 لوحات أيضاً من جهات مختلفة.
بعد بضع سنوات أعادت مديرية الفنون الجميلة دمج المعرضين في معرض واحد، استمر- كما بدأ – بتقديم صورة متكاملة وشاملة عن المشهد التشكيلي السوري بسبب حرص الفنانين باختلاف اتجاهاتهم الفنية ومدارسهم وأجيالهم على المشاركة، ما أدى إلى استمرار نمو أهمية المعرض التي بلغت ذروتها عام 1985، حيث صار يقام تحت الرعاية السامية للسيد رئيس الجمهورية، ودُمج فيه معرض سنوي كانت تقيمه نقابة الفنون الجميلة تحت عنوان (تحية إلى ثورة الثامن من آذار)، ودخلت في إطاره أقسام جديدة كالخط العربي والتصوير الضوئي، وصار أشبه ما يكون بالمهرجان التشكيلي تتوزع معارضه على عدة صالات في مقدمتها صالة الشعب التي أُحدثت مطلع السبعينات لصالح نقابة الفنون الجميلة، كواحدة من أكبر صالات العرض، حينذاك إذا استثنينا صالة المتحف الوطني بدمشق. (يتبع)