الثورة – عبير علي:
“حارسة البحر” ليست مجرد عمل فني، بل بيان بصري بانورامي، يعيد رسم ملامح التاريخ الفينيقي والحضارة السورية لسواحلنا بلغة تشكيلية عصرية تنبض بالحياة، والرموز، هي محاولة لتوثيق الأسطورة بلغة اليوم، لتقديم قراءة حداثية لذاكرة شعب تسكنه البحار والسفن والأبجدية الأولى.
وفي تصريح لصحيفة الثورة أشار الفنان علي نفنوف، إلى أنه حين أنجز هذه اللوحة لم يكن هدفه أن يصنع ترفاً بصرياً، أو حلماً تجريدياً منفصلاً عن الواقع، بل حمل في قلبه أمانة شعورية وتاريخية تمثلت في رغبته ببعث ذاكرة البحر السوري، وتقديمها لكل من يراها بعين المحبة والانتماء.
نفنوف في لوحته التي رسمها بالألوان الزيتية على القماش بقياس مترين في متر، لم يكن يرسم فقط، بل يروي، يوثق، ويستعيد التاريخ. إذ نلاحظ في اللوحة الرموز التالية: “بعل، عشتار، بوابة حصن سليمان، السفينة الفينيقية، كرسي ملكارت في عمريت، طائر الفينيق، مغازل عمريت، نقش “حطّم سيفك واتبعني، تماثيل هاني بعل، تماثيل بعل من متحف جبيل، السفينة الفينيقية، منيرفا، نقش بارابيا، صَدَفة الموريكس، فخاريات، رموز وأوزان فينيقية، مجسم متحف جبيل، جزيرة أرواد، عملة فينيقية، وشريط مكتوب عليه الأحرف الصوتية الفينيقية”.
لقد جعل نفنوف الفن وسيلة لإحياء التاريخ، وجعله متاحاً للجميع من دون تعقيد أو نخبوية، فالصورة برأيه أسرع من الفكرة، واللوحة التي تحمل صوتاً أنثوياً حارساً تقف عند شاطئ الزمن، وتقول هذا ما كان وهذا ما لا يجوز نسيانه. وفي هذه التجربة حاول الفنان كسر المألوف، للوصول إلى ما هو أكثر إنسانية في قراءة الماضي، لا كما كان بل كما يجب أن يكون تماماً، كما تفعل اللوحات التجريدية حين تخلق المعنى من الفوضى والرمز.
“حارسة البحر” تجعلنا ندرك أن الفن حين يمارس بإخلاص ومعرفة، يصبح أداة للتعليم ووسيلة لمقاومة النسيان، ونافذة مفتوحة على حضارات ما زالت تسكننا حتى الآن.