الثورة – هفاف ميهوب:
في حديثه عن رحلته إلى الشرق، يشير الأديب الألماني “هيرمان هسه”، إلى أنه لم يقم بهذه الرحلة إرضاءً لنفسه، بل لكلّ باحثٍ عن الجاذبية والحكمة والتأمّل، والحقيقةِ في “موطن النور”.. موطن الغرابة والدهشة، والحكمة التي هيمنت على رحلةٍ لم تكن برأيه:
“لم تكن إلا مجموعة من الكفاحات الأبدية نحو الشرق، وهي كفاحات الروح البشرية”..
إنها كفاحات شخصياته.. الكلّ والبعض ممن وصف إلفتهم وأخوّتهم، بطريقةٍ جداً روحانية.. هو أيضاً كفاحه، وبحذرٍ وإن منعه من إفشاء أسرار رابطةٍ، عاهدها بذلك لحظة انضمّ إليها، إلا أنه لم يمنعه من الشعور بالندم، مُذ أمسك دفتره، وبدأ يكتب تأملاته العميقة فيها:
“لقد اخترقت المعرفة عيني كشعاعٍ من النور، وذكّرتني فوراً بعبارةِ الشاعر “نوفاليس”: إلى أين نحن ذاهبون حقّاً.. إلى الموطن دائماً”..
نعم، لقد اخترقت المعرفة عينيه بنورها، بل وأوقدت شعوره بأن الشرق هو كلّ الأمكنة، وهو المعنى ووطن الروح وشبابها.
هذا ما فعلته به المعرفة، وقد اكتسبها بعد احتكاكه بأنماط عديدة من البشر، وبعد قراءاته العميقة للأدب العالمي… المعرفة التي جعلته يبحث خلال رحلاته التي توالت، ولاسيما إلى الصين والهند، عن فلسفةٍ تأخذه إلى عوالمٍ تبعده عن الحياة التي يعيشها، وفرضت عليه منذ صغره، أن يتألم ويعاني.
كلّ ذلك، جسّده في غالبية أعماله الروائية، وقد عكست جميع هذه الأعمال، فلسفته للروح والذات الإنسانية.
حتماً هو الاستكشاف، والتمكّن من إيجاد ما وراء الحياة، مثلما من تحريض القارئ على تأمّل الكون، بعمقٍ يقود إلى الاستشراف.
باختصار: هي رحلة العقل والفكر الساحر، في قدرته على جذب كلّ قارئ يعشق المغامرة، جذبه والتجوّل معه، ضمنَ عالمٍ قال عنه:
“لم نكن نتجوّل في المكان فقط، بل وفي الزمان أيضاً.. كنّا نتحرّك نحو الشرق، وننتقل أيضاً إلى العصور الوسطى، والعصر الذهبي، وفي الأوقات التي أكون فيها وحيداً، أجدُ أماكن وأناساً من ماضيَّ الخاص، ذلك أن هدفي لم يكن الشرق وحده، بل وطن الروح .. موطن النور”.
التالي