المصادفة وحدها جعلتني أدخل الى مقر بلدية “معتي” الواقعة بريف منطقة الشيخ بدر ..
لم أكن أتوقع أن أرى هذا المنظر … بيت عربي حيطانه متصدعة .. بلاطه “خافس” .. سقفه مشقق.. “الانهيار يهددها”.. !!
الشر الذي يجعلك تضحك أن هذه البلدية مصنفة على أنها من البلديات التنموية !!
رئيس بلدية يجلس على كرسي من خشب وطاولة من حديد محاط بأعمدة متفسخة .. وبعض الأوراق المتناثرة … وقلم حبره “ناشف”..!
في الشتاء مياه الأمطار تغزو المكان بلا رحمة من تلك الشقوق العريضة حتى تكاد أن تشكل برك ماء في ردهات تلك البلدية..
لم أنبس ببنت شفة على الرغم من إلحاح رئيس البلدية “الطبيب” بالسؤال عن خدمة يقدمها لي ..
قلت له : المصادفة فقط هي من أدخلتني إلى هنا .. لا مجال لخدمة تقدمها لي .. ولا لغيري ..
المكتوب واضح من العنوان ..
هنا تفتحت قريحة “الطبيب” واسترسل بشرح المعاناة التي بدأت .. ولم تنته بانسحابي بعد أن شعرت بعدم قدرتي على سماع “الويلات” التي تعانيها تلك البلدية وكادرها النشيط الذي يستقبل المراجعين وكان هذا المقر “البيت العربي” يعبر عن تراثه باستقبال الضيف على مبدأ “لاقيلي ولا تطعميني”…
حال بلدية “معتي” ليست إلا نموذجاً عن عشرات البلديات المحدثة في ريف طرطوس من حيث ضعف الإمكانيات وقلة الحيلة إلا من حيلة الاستقبال الجميل .. أما الخدمات فهي تحتاج إلى من يخدمها .. وبالتالي “فاقد الشيء لا يعطيه”..!!
لا أعرف لماذا تذكرت هنا اللقاء الحواري الذي أقامته الإدارة المحلية حول المجالس المحلية والنقاشات الغنية حول ضرورة منح البلديات صلاحيات وتطبيق اللامركزية ودعمها بهدف الارتقاء بخدمة المواطن ..
هنا قفزت إلى ذاكرتي مشكلة الصرف الصحي الذي تعاني منه تجمعات كبيرة في بلدة دوير الشيخ سعد بطرطوس .. وكيف وقفت البلدية عاجزة عن تمرير تنفيذ هذا المشروع بسبب تدخلات ولجان واجتماعات ممزوجة بمزاجيات تدعي تطبيق القانون..
المواطنون غارقون بمياه الصرف الصحي .. روائح وحشرات وأمراض .. ونحن على أبواب فصل الشتاء .. ولا أحد يعلم كيف سيتعامل المواطنون في تلك البلدة مع هذه المشكلة.. !
القانون يهدف إلى خدمة المواطن … والقائمون عليه يجب عليهم الاجتهاد لتطبيق روح القانون وعدم التمسك بشكليات قانونية تفصيلية تهدف فقط إلى إسقاط مفهوم المعنى …
على فكرة المشروع كانت تكلفته نحو 47 مليون ليرة .. ومع المماطلة التي سببتها اللجان والاجتماعات والأخذ والرد .. تضاعفت التكلفة علماً أن المواطنين أبدوا استعداداً للمساهمة ..
المهم .. الذي حصل ويحصل باستمرار ..
خسارة مركبة …
ويستمر المسلسل بحلقاته المكسيكية .. ويبقى الاستعراض سيد الموقف .. !!