يمضي مشروع الإصلاح الإداري في خلق حالة من الجدل والاعتراض لاعتماده معايير مكتبية أكاديمية بعيدة عن الواقع الفني والخصوصية لطبيعة عمل كل مؤسسة، وهذا الاعتماد أدى في كثير من الجهات إلى خسارة الكفاءات وضعف هذه المؤسسات وتراجع دورها و بالمحصلة دور القطاع العام.
أساس المشكلة والجدل أن وزارة التنمية الإدارية هي من يحدد المعايير و لايتجرأ أحد على مناقشتها، ولكم على سبيل الذكر لا الحصر أن معايير التنمية الإدارية بموضوع الحوافز مثلاً تعطي مدير التسليف بالمصارف مليوناً ونصف المليون، وهو يتحمل مسؤولية منح القروض ومبالغها ووثائقها وكل المسؤوليات، فيما مدير الموارد البشرية يمكن أن تصل حوافزه إلى أكثر من خمسين مليوناً، وهو لا يتحمل أي مسؤولية مادية.
بعيداً عن المعايير والحوافز هناك موضوعات أخطر وتتعلق بإلغاء مؤسسات ومديريات مهمة ولها دور تنظيمي و سياسي ومورّد مالي مهم للخزينة، من هذه المؤسسات المؤسسة العربية للإعلان ذات الدور المهم جداً وقد عمِلت فيها سابقاً رئيساً لدائرة الإعلان التجاري، ورئيساً لقسم النشرة الرسمية، فالسوق الإعلانية قبل الأزمة وصلت قيمتها إلى أكثر من ٤٠ مليون دولار سنوياً كانت المؤسسة العربية للإعلان تديرها وتنظمها وتضبطها، وكم هناك من الإعلانات التي تم ضبطها عن طريق المؤسسة بالتعاون مع الجهات المختصة كانت تروج من خلال إعلاناتها للدعارة و المخدرات والنصب على الناس بموضوع “تسفير “الناس إلى الخارج، حتى إن أحد المكاتب كانت له ارتباطات خارجية تتعلق بأمن البلد، وتم ضبط عدد من أفرادها في ذلك الوقت.
الدور الأهم لمؤسسة الإعلان كان سياسياً، ولمن يود الاطلاع أعتقد أن بإمكانه أن يعود لسجلات وأضابير المؤسسة، حيث كانت تنسق مع الجهات المعنية وتطلب إعداد مواضيع عن سورية، سياحية، اقتصادية وثقافية بخلفيات سياسية، وتقوم المؤسسة بحجز صفحات كاملة في الصحف العالمية مأجورة وتنشر بها مواد عن سورية برؤية الدولة السورية، وكان المواطن الأوروبي والأمريكي يقرأ شهرياً مواضيع عن سورية في صحف مثل اللوموند، والواشنطن بوست، والديلي ميرور، والبرافدا وغير ذلك من الصحف العالمية، وأسست هذه الآلية لإعطاء فكرة للغرب عن حضارة سورية وتاريخها، وكان الكثيرون يعرفون عن سورية تاريخها وحضارتها وليس كما هو اليوم، الحرب فقط.
دور المؤسسة المادي كان كبيراً، وكانت مورّداً مهما للخزينة عدا عن دورها في تنظيم سوق الإعلان ولعب دور سياسي، وإذا كنا نحسب الأمور مادياً فمن الأولى إلغاء عدد من الوزارات ودمجها مع بعضها ومنها التنمية الإدارية التي يمكن أن تقوم مقامها الأمانة العامة لمجلس الوزراء و بشكل أفضل وأصح قانونياً وتنظيمياً.
مؤسسة الإعلان استضافت على مدى سنوات طويلة آلاف الصحفيين والمفكرين والكتَّاب والفنانين الأجانب على نفقتها وضمن الدور المرسوم لها، وغيّرت عن طريق هؤلاء الكثير من الأفكار عن سورية، وعن طريقهم أيضاً روجت لسورية، وهنا نسأل هل استغنينا عن هذا الأمر في وقت تتسابق فيه الدول لتوظيف مبالغ كبيرة للترويج لقضاياها وأفكارها واقتصادها وسياحتها وثقافتها.
الأمر غاية في الأهمية، ويجب إعادة النظر في كثير من المعايير التي اعتمدتها التنمية الإدارية وحتى الدور الذي تقوم به هذه الوزارة.
خلال تشرفنا بلقاء السيد الرئيس بشار الأسد سألت سيادته عن مشروع الإصلاح الإداري فقال سيادته: قد تكون المعايير غير صحيحة، وهذا يُمكن معالجته وتحديد معايير جديدة تخدم الهدف المنشود.
المشكلة الكبرى في مشروع الإصلاح الإداري هي في طبيعة الحوار بين التنمية الإدارية والجهات العامة والذي يأخذ صيغة الأمر من طرف واحد في أحيان كثيرة و عدم سماع الطرف الآخر المعني بالأمر.
معد عيسى