ثورة أون لاين – بقلم رئيس التحريرعلي قاسم :
وحدها إسرائيل من كل دول العالم – حتى تلك التي رعت واحتضنت الإرهاب – لا تبدي قلقاً من التنظيمات الإرهابية، ولا تخفي سعيها الواضح إلى تقديم ما يلزمها من مساعدة في السر والعلن..
ووحدها إسرائيل لا تبدو معنية بحالات الهلع التي تجتاح الأوروبيين، وفي بعض الأحيان تبدي استغرابها من المبالغة والتهويل اللذين يقدم عليهما الخطاب الغربي.
في المعطيات المتوافرة والمتداولة تحاول إسرائيل أن تقدم مقارباتها حيال التطورات في المنطقة على أساس توظيفي بحت، يخدم في نهاية المطاف تحالفاتها القديمة والجديدة في المنطقة، بل يعزز الحاجة إلى تأكيدها من خلال التلويح بالتحالف مع تلك التنظيمات على أنها الرديف الأساسي للوجود الإسرائيلي، وورقة إضافية لا تخلو من الابتزاز حيال المشيخات التي أبدت تخوفاً واضحاً من خروج التنظيمات الإرهابية عن سيطرتها، وتورمها في علاقات ووظائف من خارج المطلوب.
على هذا الأساس تتجذر القناعة بأن الفهم الغربي عموماً القائم على ما ينطق به اللسان الإسرائيلي حيال المنطقة، وما تتفوه به لوبيات الضغط السياسي والإعلامي الموالية لإسرائيل بحكم التبعية والمصلحة في الآن ذاته، هذا الفهم يتعرض لارتباك واضح في محدداته، وفي أهدافه من منظور العلاقة التحالفية ذاتها.
لكن على المقلب الآخر تقدّم إسرائيل تعهداتها العلنية بأن وجود تلك التنظيمات على الحدود المتاخمة لما تحتله، يشكل امتداداً طبيعياً لحركة نفوذها مباشرة، بحكم حالة التحالف الواقعة والمعمول بها منذ لحظة بروزها على الأرض، وما يُشاع عن افتراق في النظرة الغربية والإسرائيلية سرعان ما يجري ترميمه من خلال ضمانات إسرائيلية لكثير من العواصم الغربية الهلعة من سرعة تفشي الإرهاب.
المحظور الوحيد في هذه العلاقة من وجهة نظر إسرائيل، أن تتحرك تلك التنظيمات خارج هامشها الوظيفي، أو أن تقترب عمداً أو من دون قصد من حدود الدول الوظيفية القائمة على أساس الخدمة الطويلة الأمد للمشروع الصهيوني في المنطقة، وهو ما تبدى في سرعة الاستجابة الإسرائيلية لهواجس الأردن وتقديم عروض الحماية من أي تهديد قد تقدم عليه داعش.
قد يبدو من وجهة نظر شكلية أن الحال لا ينسحب ذاته على المشيخات الخليجية، التي ما فتئت تستشعر خوفاً غير محدد من انكشاف جذور إرهابها بـ «قاعدته» و«جبهته»، وصولاً إلى ادعاء الخشية من مخاطر اللعب الإسرائيلي منفرداً بخيوط التحرك الإرهابي وأهدافه، وإن كانت تراهن عليه بعد أن فرضته سراً وعلانية، وهو ما يثير الريبة من الحليف الآخر على الضفة التركية الذي يجاري المنحى الإسرائيلي، وإن كان بمعايير مختلفة ولحسابات مغايرة عن تلك المعتمدة إسرائيلياً، حيث تصر حكومة أردوغان على ابتلاع لسانها فيما يخص الإرهاب ولا تبدي حراكاً ولا تعليقاً، وإن كانت ترقب الحال الأوروبي والغربي عموماً بكثير من التشفي الواضح، وفي بعض التفاصيل الجزئية لا تتردد في التلويح باستخدام التنظيمات الإرهابية للرد على تزعم السعودية لائحة دعم الإرهاب واعتماد ذلك أميركياً في إطار المماحكة بين محوري دعم الإرهاب وتمويله، بشقيه السعودي من جهة والقطري التركي من جهة أخرى.
ما يتسرب من معلومات تتعمد دوائر الاستخبارات الغربية تمريرها في القنوات المحسوبة عليها، يشير إلى أن للعبة خيوطاً أخرى أبعد مما يطفو على السطح، وأن اللاعبين المحتملين إقليمياً سيجدون أنفسهم أمام متغيرات في أدوارهم الوظيفية والتنسيقية تستدعي استنفاراً، وتقتضي تعديلاً تكتيكياً لدى بعضها في مقارباتها حيال الإرهاب، فيما يحتفظ البعض الآخر بمهمته التقليدية في التناغم مع الخطاب الغربي ولو تطلب ذلك التنكر لما مضى والخروج من جلد تبعيتها المهشم على وقع الفضائح المعلنة والمستترة.
هذا قد يفسر بعض الظواهر غير المفهومة في التوافق على توكيل إسرائيل مرحلياً بالولاية الإرهابية إلى حين يستكمل الإرهاب وظواهرة بأذرعه الداعشية، فيحسم الغرب خياراته وقد مهد لها بحملة من التهويل المصطنع في افتراض المواجهة معه.
في إثبات البديهيات تبدو المهمة صعبة وأحياناً عسيرة، بدليل أن التحالف بين إرهاب منظم ومتجذر وبين إرهاب ممنهج وموظف لا يحتاج إلى استدراك في سياق الأوراق المحترقة التي يلعب بها الغرب، لكن في فهم تفاصيله ثمة حاجة ملحة إلى قرائن لا تقتصر على الدور الإسرائيلي وبديهيات تحالفه المعلن مع التنظيمات الإرهابية، بل تشمل البقع المتحركة من دمى الأدوار الوظيفية في المنطقة وهي تتناحر على صك الحاجة إلى وجودها الوظيفي لفصل إضافي من محطات المشروع الاستعماري الغربي في المنطقة وأدواته المستحدثة, وفي مقدمتها الإرهاب وتنظيماته الملونة حسب الحاجة.
a.ka667@yahoo.com