الملحق الثقافي- مها محفوض محمد:
من المعروف أن الكثير من المبدعين العالميين كانوا مغرمين بالسيجارة وهي تلازمهم في كل حين، وقد تناول إبداعهم التبغ والسيجارة، وهذا ما نجده في آداب العالم كافة، ففي الأدب الأميركي ثمة روايات كثيرة منها طريق التبغ رواية شهيرة ألفها الكاتب الأميركي إرسكين كالدويل عام 1932 عن مزارعي التبغ في ولاية جورجيا الأميركية. ترجمت الرواية إلى العربية. وحولت هذه الرواية إلى مسرحية ظلت تعرض أكثر من سبع سنوات، وكانت بذلك الأكثر عرضاً في تاريخ المسرح الأميركي. وكان قد نشرها عام 1932
أما في الأدب العربي فتأتي رواية..
حارس التبغ رواية للروائي العراقي علي بدر. صدرت الرواية لأوّل مرة عام 2008 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت. ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية لعام 2009، المعروفة بجائزة «بوكر».
في سورية ..
كانت رواية شك البنت خرز الأيام لأنيسة عبود وقد صدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب في دمشق عام ٢٠١٦م
مجلة التبغ ..
لا يعرف الكثيرون أن المديرية العامة لإدارة وحصر التبغ والتنباك في سورية كانت تصدر مجلة تحت اسم مجلة التبغ..في ستينيات القرن الماضي ..
وبين أيدينا العدد التاسع من المجلة ..كان المدير المسؤول جورج عبدال أما رئيس التحرير فهو زهير مارديني.
المجلة منوعة تقدم موضوعات مهمة في الثقافة والاقتصاد والاجتماع ومن جردة بسيطة نقف على العناوين التالية : التعاونيات في زراعة التبغ …أهمية زراعة التبغ في الولايات المتحدة الأميركية..ثمة موضوع طريف وجميل حمل عنوان :عبقريات غلفها التدخين كتبه مارسيل سوفاج.
أما وليد مدفعي فيقدم تحقيقاً تحت عنوان :ومن أجل هذا يدخنون في دمشق ..
استطلع فيه آراء..كوليت خوري
تقول ظهرت روايتي الأخيرة معه أيام معه من خلال الدخان وتبعتها كتب رعشة الدخان والأرض ولكني أرحت أخيراً صدري من الدخان .أما الدكتور جورج صليبا فقد قال : نعم للتدخين ضرر صحي لكن يجد المدخن في إرادته عوناً على التحكم في هذه العادة.
والموت والأركيلة
ومسرحية لتشيخوف تحت عنوان : زوجتي أمرتني بلعن التدخين ..
وغيرها من الموضوعات ويقع وثمة محاورة حول الأركيلة بين صدقي إسماعيل وعبد السلام الأدهمي وقصيدة نزار قباني صديقتي وسجائري ..
وإعلانات جميلة حول التدخين.
…
ومن المعروف أن الطقس الاجتماعي الذي يرافق موسم التبغ كان حافلاً بالأعراس واللقاءات وتسديد الديون وشراء الملابس عند تحصيل ثمن الموسم.
وفي الأدب الفرنسي يمكن طرح السؤال التالي :ومن موليير إلى فلوبير ومن فرويد إلى أنشتاين كم أسال التبغ حبراً!
فمنذ القرن السابع عشر وعلاقة عشق بين الكتاب والسيجارة لا تنفصم عراها عند البعض، في حين يقابلها صدود عند البعض الآخر ليحتدم الجدل حول هذا المعشوق بين مولع به ونفور منه كل يدلي بما لديه ويؤيد ما يذهب إليه، وكلما احترقت (سيجارة) وانزوت من المشهد ولى معها زمن ومضى.
كم نبتهج له في وقت علينا أن نرثي لحالنا معه، لكن هو واقع نعطي فيه لرغبات النفس قيمة أكبر من الحفاظ على الجسد ونحن نعلم أنه قاتل.
إن الخصام بين المدخنين وغير المدخنين يعود إلى عهد لويس الثالث عشر، فالبعض كان يعتبر التبغ ترياقاً يشفي من جميع الآلام، والبعض الآخر عدّه عشبة فاسدة. أما النبلاء فكانوا يتنشقونه بجنون، وهذا ما كان يدينه رجال الدين، موليير كان يرى أن لا شيء يضاهي التبغ وأن المولعين به هم الأشراف، ومن يعش دون تبغ فهو غير جدير بالحياة ليس لأنه فقط يمتّع ويطهر العقول البشرية، بل لأنه يروض النفوس على الفضيلة، وفي ذلك الوقت تردد الملك ريشيليو بمنعه، ووجد أنه من الأفضل فرض ضريبة على إنتاجه لأنه بذلك سيدر ربحاً أكثر.
أنشتاين الذي افتتح متحفاً صغيراً للمدخنين في باريس كان يقول: «قبل الاجابة عن أي سؤال لابد وأن نشعل غليوناً» بينما بلزاك أكد كثيراً في كتاباته أن التبغ يجعلنا بليدين أغبياء ضعفاء ولم يتناول القضية فرويد على أساس التحليل النفسي جدياً بل كان يقول: «أنا مدين للسيكار لأنه يزيد قدرتي على العمل ويجعلني أتمالك نفسي»، وفي كتابه عنه «لادخان دون فرويد» يرى الروائي والمحلل النفسي فيليب غرامبير أن السيجارة أداة للمتعة في لحظتها ووقاية من توتر يولده المحيط العدائي.
ومع فلوبير لمتعتها نكهة أخرى إذ يقول: «آه.. الحياة من دون الغليون جافة ومن دون السيكار لا لون لها ومن دون مضغة التبغ لا تطاق» ولم تكن نزوة بالنسبة إليه إنما كانت كطوافة النجاة لطفل يغرق.
في العام 1996 بدأت الحكومة الفرنسية اتخاذ إجراءات جدية لتحفيز المدخنين على الإقلاع عن هذا السم الذي يغتال الحياة، فأزيلت سيكارة مالرو عن الطوابع البريدية، وفي عام 2005 قامت المكتبة الوطنية الفرنسية بسحب لفافة سارتر من إعلانات المعارض.
فهل تمحو إدارة المتاحف السيكار من بورتريه مالارميه ونفثات دخانه الحلزونية الزرقاء؟ أو غليون بودلير من لوحة كوربيه؟
مالارميه المولع بلثم سجائره في الصيف وغليونه في الشتاء صديقه الوفي الذي كان يعينه في كتابة قصائد النثر.
كتّاب اليوم أيضاً يختلفون بين مؤيد ومعارض: الروائية كاترين كوسيت مدخنة تائبة لكنها تخشى أن تفقد الإلهام بعد وقف التدخين وتتابع كتابتها، لكنها وضعت نهاية لمهنتها كأستاذة جامعية فهي لم تعد قادرة على قراءة المؤلفات الضخمة.
الكاتبة فلورانس ديلي عضو الأكاديمية الفرنسية تصدر كتاباً حديثاً بعنوان « تأملات في رماد التبغ» ومع أنها تحاول اتباع نصيحة جدها بتدخين سبع سجائر فقط في اليوم يبقى التبغ بالنسبة لها شعراً وصوراً تتراقص فوق الصفحات، تقول فلورانس: نعم لقد تحدثت في كتابي عن الصحبة الوفية مع (السيجارة) والعلاقة العاطفية بيننا.
اليوم أحاول التخفيف من حبها، لكن الأمر ليس بالسهل، فالقلم و(السيجارة) صنوان وبهذا الخصوص كثيراً ما أغبط الرسامين لأن ثمة ما يشغل أصابعهم بينما أصابع الكتاب لا تستثمر بكليتها، وعلى الحاسوب لا تغريني الكتابة لأنه ليس الوسيلة التي تحث على الإبداع، بيد أنه مع القلم و»السيكارة» الصور راسخة والخيال أنقى، «سيجارتي» مصدر إلهامي، وهي طريقة للهروب من اللحظة الحرجة إلى لحظة مفرحة.
الغريب أننا نشعلها في وحدتنا وفي جمعتنا وفي أوقات الفرح وأوقات الشدة.
المدخنون باعتدال يمتعضون من اعتبار التبغ كشيطان رجيم لدرجة نفقد فيها آداب اللياقة والكياسة عندما نلقي بضيوفنا المدخنين في عز الشتاء إلى الشرفات ليدخنوا سجائرهم. الكاتب سيمون لي لا يدخن إلا قليلاً، لكن عندما يخير في صالات الانتظار والمقاهي فإنه يؤثر الجلوس مع المدخنين يقول: بين هذا الخليط أجد وداً وأنساً، ويروي في إحدى مقالاته حكاية صغيرة جرت في قطار بين عاشقين كانا ينهمكان ببحر من القبل ولم يثر ذلك انفعال أحد، أما وعند إشعال العاشقين لسيجارة فقد أثارا سخط المسافرين جميعاً.
لندع الشاعرية جانباً والقصص الجميلة عن حشيشة الشعر هذه ولنسأل: لماذا يستمر الكثيرون بالتدخين رغم أنه يهدد حياتهم؟! هل نبرر لبعضهم القول: إنه بفضل التبغ والقهوة كتبت جميع أعمالي؟
عند شعوب المايا التدخين يعني انتقال المراهق إلى سن الرجولة أي هو رمز للعبور إلى سن الرشد، وهذا ما يتناغم مع أغنية أدي ميتشل: كي تصبح رجلاً عليك أن تدخن (سيجارة).
في كتابه »السلوك الأخلاقي« يقول هوليبيك: حاول أن تمنع شخصاً مكتئباً محبطاً من تناول سيجارة.
ترى هل التدخين معصية أم خطيئة؟
علماء اللاهوت الكاثوليكيون الذين شغلهم السؤال كثيراً أجابوا: لا.. بشرط ألا يتجاوز المدخن أربع سجائر يومياً.
مع أن الدخان قاتل والجميع يدرك ذلك: إنما من الأفضل أن نذكر كل مدخن بالعبارات المكتوبة على علب السجائر فهي طريقة للتذكير بالموت بدءاً من حكم الأقدمين:
كعبارة «تذكر أنك من التراب وإلى التراب تعود» وقد جاءت على علب السجائر، «تذكر أنك من الرماد وإلى الرماد تعود».
سيمون لي كتب يقول: «بما أن المدخنين يتميزون عن غير المدخنين بحس روحاني فذلك يعني أن شعورهم بالموت أحدّ وأقوى» عبارة أخرى تقول: «عش متعة التدخين لكن إياك أن تقع في عبوديته».
أما على رأي شاعرنا محمد حمدان الخير فهو:
«شقيق النفوس الشاعرات أليفها
وليس أديب عافه بأديب»
العدد 1166 – 7-11-2023