الثورة – ياسر حمزة:
عندما نشتري اليوم ببساطة شديدة علبة ألوان زيتية من إحدى المكتبات، فإننا نشتري في الواقع خلاصة جهود بذلها كبار عباقرة فن الرسم خلال قرون، وكان لمجرد وضع هذه الألوان داخل أنابيب صغيرة، أثره الكبير في تاريخ فن الرسم بأسره.
فمنذ بدء عصر النهضة في أوروبا سعى الفنانون إلى استنباط نوع من الألوان يسمح لهم بالانتقال التدريجي من لون إلى آخر بخلاف المواد التي كانت مستعملة آنذاك، ولا يجف بسرعة كي يتمكنوا من تعديل الرسم, إن شاؤوا ذلك، ويمكن إزالته أو وضع لون آخر فوقه.
وخلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، كان الفنانون الإيطاليون قد طوروا بعض الألوان (على شكل مسحوق) يمكن خلطها بالزيت، واستخدموها جزئياً في بعض لوحاتهم.
وبحلول عام 1410م، رسم الفنان الهولندي جان فان إيك أول لوحة بالألوان الزيتية الخالصة، ولأن الزيت لا يجف بسرعة، استطاع هذا الفنان إضافة بعض المواد إليه لتجعله يجف خلال أيام معدودة.
وتوالت الجهود التي شغلت كل كبار الفنانين من دون استثناء، فأضاف أنطونيللو دي ميسينا إلى المزيج أوكسيد القصدير، بحيث أصبحت الألوان أكثر كثافة، وتجف في فترة أسرع.
واستنبط ليوناردو دي فينشي طريقة تسخين الألوان حتى حرارة متوسطة، لتلافي اسودادها فور انتهاء اللوحة، كما انصرف تيسيان وتينتوريه وجيورجيوني إلى استنباط طرق خاصة في تركيب الألوان الزيتية، في حين اختار الهولندي روبنز الاعتماد على زيت الجوز دون غيره لمزج الألوان به.
وبحلول القرن التاسع عشر، كانت تركيبات الألوان قد استقرت على معادلات محددة: زيت (الكتان غالباً) وألوان جاهزة في المتاجر على شكل مسحوق يجب خلطه بالزيت.
في العام 1841م، ظهرت في سوق باريس أنابيب صغيرة يحتوي كل منها على لون محدد تم خلطه بالزيت مسبقاً، وأعفى الرسامين من مهمة تحضيره.
وهذا الابتكار الصغير غيَّر مجرى تاريخ الفن. فلم يعد الفنان أسير الاستديو، ولم يعد يخشى أن يبعثر الهواء في الخارج مسحوق الألوان قبل تحضيره.
فحمل الفنانون لوحاتهم والألوان الجاهزة المحفوظة في هذه الأنابيب وخرجوا إلى الطبيعة يرسمونها مباشرة.
يقول الفنان رينوار: لولا أنابيب الألوان، لما كان هناك انطباعية في الفن.
وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن أنابيب الألوان الزيتية صُنعت أولاً من البلاستيك، والتحول الوحيد الذي طرأ عليها كان في صناعتها لاحقاً من الألمنيوم الذي يمكن عصره حتى آخر نقطة.
أما التركيبة الكيميائية لكل لون، فتختلف من مصنع إلى آخر، ولكنها ما زالت تتطور كلها في اتجاه هدفين: أولهما تقديم ألوان ثابتة أكثر بمرور الزمن، وثانيهما إخضاع الوقت اللازم لجفاف اللون بعد الرسم لرغبة الفنان.