محمد شريف جيوسي ـ كاتب أردني:
إلام ستفضي معركة الـسابع من تشرين أول؟.. هل يمكن ضبط تداعياتها رغم أنها لم تنتقل بعد إلى مرحلة حرب إقليمية شاملة، ورغم حالة المشاغلة التي تقوم بها فصائل يمنية وعراقية وفلسطينية ولبنانية بمواجهة بنك أهداف أمريكية وإسرائيلية موزعة وموجعة في الإقليم، تكسر هيبة أمريكا، وتعمق باستطالة أمدها من تضخم الأزمة الإسرائيلية الداخلية أمنياً وسياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وهو ما لم تعتاده المستعمرة الإسرائيلية زمانياً أكثر من ذلك؟.
كما لم يسبق أن اختبرته الدول الأوروبية الغربية الاستعمارية الـ 4 في المنطقة (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ) على هذا النحو، والذي قد يتطور إلى تدخل نيتوي واسع، وعلى مستوى الـ 7 الكبار، بحيث تتورط فيه اليابان وكندا أيضاً، وبالتالي تطورها إلى حرب عالمية ثالثة، مختلفة عن الحربين العالميتين السابقتين من حيث تعدد أطرافها وأسلحتها على نحو غير مسبوق، وتوالي انخراط المزيد من الدول فيها، جراء تعرض مصالحها وأمنها القومي للخطر، ومع كل انخراط جديد استطالة أمدها، بحيث يصبح العدول عن الانخراط فيها أمراً كالمستحيل، ما لم تتوفر على هزيمة مطلقة (أرضاً محروقة وإبادة للبشر والحياة)، تصبح الحروب السابقة معها مجرد مناورات وألعاب أطفال.
من الواضح أن (ردة الفعل) الغربية السريعة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً، لم تكن مجرد ردة فعل، وإنما كانت أمراً حاضراً جاهزاً، ما يلقي (بعض الظلال) بخاصة عندما لم يسبق العملية تنسيق مفترض مع أطراف محور المقاومة بحيث يكون كل طرف قد استعد كفاية لها، وبحيث تتوزع الأدوار والمهام العملانية، فلا يفرض على أحد الدخول في الحرب دون استعداد كاف ووضوح، وتجنب نتائج (حروب) كارثية كـ (حرب) 1948 و(حرب) 1967.
لقد كانت 7 تشرين أول، عملاً في غاية الأهمية، ولحظة تاريخية مميزة، كان يفترض البناء عليها، بحيث تكون (ردة فعل) الدول الـ 5 أقل فعالية ومحسوبة، فلا يكون الدعم السريع المذهل للمستعمرة الإسرائيلية، جاهزاً بفوره، وتكون حرب لا مجرد مشاغلات لتخفيف الضغط العسكري والحصار المطلق على الشعب الفلسطيني، كأنما كان البحث عن سبق الجهاد، هو العامل الحاسم بالتزامن مع الذكرى الـ 50 لحرب تشرين المجيدة.
لقد كانت ردة فعل أطراف محور المقاومة على التحشيد متعدد الصفات، محسوبة بدقة، بحيث لم تأخذها هوجاء الفزعات القروية التي سرعان ما تخمد، ولا الصمت عن مناصرة الشعب الفلسطيني، فكان خيار مشاغلة العدو بتوجيه ضربات عراقية ويمنية وفلسطينية ولبنانية، وفي آن تفويت فرصة التورط في حرب شاملة، لم يستعد لها كفاية وبالتنسيق، وفي آن وجّه المحور رسائل واضحة بجهوزيته لمواجهة شياطين الحروب الـ 5 إلى ما هو أبعد اعتبارياً ومكانياً، لم تكن مجرد تهديدات مفرغة، بل نفذ عمليات موجعة ولا يزال.
أما وقد تطورت العملية إلى حرب مشاغلة أوسع، ما استمر الإمداد الاستعماري الغربي لإسرائيل وحرب الإبادة التي تخوضها إسرائيل وأمريكا ضد الشعب الفلسطيني، يبدو أن وقف الحرب على غرار العقدين الأخيرين غير ممكن، من قبل أطرافها، بل ومن قبل أطراف لم تدخل الحرب بعد مع أي من الجانبين، فالحرب المفترضة تصلح لأن تكون حرب تصفية (نهائية) لغالب أو مغلوب، وليس حرب (لا غالب ولا مغلوب) فقد استطال شطط الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على الأمم والشعوب والدول، وفي آن تعاظم الأمل الأممي بقيادة الصين وروسيا وغيرهما، بالخلاص من صلف أمريكا وفريقها.. ومع تزايد الصلف الغربي من جهة وتعاظم الأمل الشرقي الجنوبي بالخلاص من جهة ثانية، ستكون المنطقة ساحة تصفية نهائية، بين نظام عالمي جديد مأمول أكثر أمناً وعدلاً واستقراراً وتعاوناً ورفاهاً، وبين نظام قائم أكثر حروباً وويلات وفتناً واستغلالاً وخراباً بيئياً وقيمياً.
لن يتخلى النظام الراهن عن مكانته، ولن يستسلم (أصحاب) الأمل بالتغيير، والتخلي عن لحظة تاريخية مناسبة، يبدو أنه خطط لها بخبث شديد لأن تكون القاضية على محور المقاومة وأصدقائها، لكن لم يضبط التخطيط جيداً، ففتحت ثغرات في جدار الصلف الغربي، ستعبر منها قوى التغيير العالمي، لأنه ما لم تغتنمها سيكون وبالاً عليها وعلى العالم، ستخسر مكاسبها المتواضعة الراهنة، وتجلب الوبال إلى دواخلها، وقد لا تتكرر فرصة التصفية بعد عقود.