لميس علي
يبدأ الفيلم الإيراني الحرب (العالمية الثالثة، World war 3)، إخراج “هومن سيّدي”، بعبارة “مارك توين”: (لا يُعيد التاريخ نفسَه، ولكنّه يتشابه كثيراً)، والتي تأتي وكأنها تلخّص حكايته مع اختلاف النهايات.. أو مع مرور لحظات “تحوّل” فارقة لدى بطله (شكيب، محسن تنابنده).ثمة الكثير من المحاور أو الأفكار التي تُثار حول الفيلم الذي رُشح ليمثّل إيران في أوسكار 2023..وأولى وأهم ما يُثيره داخلك كمُشاهد، تلك الكمية الهائلة في التعبير التي يختزنها وجه البطل “شكيب”.. ولطالما كان الاهتمام بتعابيرالوجه من أهم سمات السينما الإيرانية.. أو هكذا يبدو الأمر لدى بعض مخرجيها و”سيّدي” أحدهم.. إذ يجعل من وجه “شكيب” قمةً في امتلاك القدرة على (التعاطف) معه ولِما يحتويه ويحمله من مشاعر مكبوتة داخله تعبّر عن: القهر، الظلم، الضعف، والألم الذي يخبّئ الكثير من الشعور بالاضطهاد..نجحت كاميرا “سيّدي” بإضفاء تلك الواقعية المرّة على وجه بطله “شكيب”..وجهٌ مغرقٌ بواقعيته ووجعه، يُعيد التذكير في كلّ مرّة يظهر فيها، لاسيما في النصف الأول من العمل، بفجاجةِ ورعونة الحياة لطبقة لا تُعتبر فقيرةً وحسب، إنما مسحوقة.. لدرجة يمكن اعتبار الإنسان مجرد (رقم).تبدو القسوة في “الحرب العالمية الثالثة” بأبشع أشكالها حين تُساق جموع العاملين في موقع تصويرالفيلم الذي يعمل “شكيب” في إحدى ورشه، ليكونوا “كومبارس”.. دون أن يخبرهم أحدٌ بذلك، في إيماءة إلى أنهم مسلوبو الإرادة، القدرة، وحتى الاختيار. يحمل الفيلم بالإضافة للرمزية السابقة الكثيرمن الإحالات والإسقاطات.. وثمة نوعٌ من المزاوجة ما بين “العام والخاص” بطريقة تتشابك ضمنها مفاصل العمل.. فالحرب المراد تصويرها عبر معتقلات التعذيب أو المحرقة التي تعود إلى زمن هتلر، تتقاطع مع ما أراد “سيّدي” التعبير عنه من تعذيب أو محرقة عصرية من نوع غير مباشر.. إذاً لعبة العمل التي تعتمد أسلوبية “فيلم داخل فيلم” تنبني على تقاطعات ما بين (العام والخاص).. فهناك حربٌ عالمية يتمّ تصويرها بطريقة ظاهرة.. وأخرى خاصة.. يخوضها بعض أبطال العمل وعلى رأسهم “شكيب” الذي يصنع نهايةً يختارها وحده، على العكس من مجريات حياته التي سارت دون أي خيارٍ أو قرارٍ منه.ثنائية “الحرب”، بين معانٍ عامة وأخرى خاصة/شخصية، تُذكّر كلّ منّا بحربه التي يحياها وحدَه.. وهنا القدرة على فهم مشاعر و”جوانية شكيب”.. القهر والظلم بدّلاه.. والتاريخ أو الأحداث التي دفعته ليحيا الفقد مرتين جعلته يتلبّس، نهايةً، شخصية هتلر التي أدّاها في موقع التصوير الذي بدأ التواجد ضمنه كمجرد عاملٍ لا أكثر. قليلة هي المَشاهد التي ظهرت في الفيلم ولم يكن ضمنها شكيب.. وقليلة أكثر تلك التي لم تعتمد الإضاءة على تعابير وجهه وطاقته الكامنة والدافعة لمجرى الأحداث قدماً إلى الأمام.يبدو لي أن أجمل ما في “الحرب العالمية الثالثة” ذكاء مخرجه، وطاقمه بالعموم، حين جعلوا من “وجه شكيب” بطلاً أول.. يتقدّم على مختلف أركان الجسد الذي تفجّرت أعضاؤه ثورة في عراكه مع ذوي الفيلم لحظة مواجهتهم بموقع أنقاض التفجير.عُرض “الحرب العالمية الثالثة” مؤخراً ضمن فعالية (بيت السينما، صالة كندي- دمشق) التي تُقام بدعم مؤسسة السينما والإشراف للسينمائيين فراس محمد ورامي نضال.
