هفاف ميهوب
“من غزّة أحمل ذكرى غجرية، أرضعت طفولتي ترياق الرحيل، ومن يومها وأنا ابن النّار، على رأسي عصبة تحمل اسم المحطات ومواعيد الرحيل”..كلماتٌ قالها أحد أهم شعراء النكبة.. “معين بسيسو” الذي كان لقصائده دوراً هاماً وبارزاً، في حمل راية النضال والمقاومة، ولاسيما تلك التي اتّقدت بحبّ “غزة”.. مسقط رأسه ومرتع طفولته ودراسته، والحبيبة التي رافقته مُذ رحيله عنها، مروراً بكلّ محطات اللجوء، التي شهدت وجع غربته وتشرّده.. “غزّة” التي استلهم الحياة من قلبها، والتي أطلقَ صرخة نضاله لأجلها:”أنا إن سقطتُ فخذ مكاني يارفيقي في الكفاح/ واحمل سلاحي لايُخفكَ دمي يسيلُ من السلاح/ أنا لم أمتْ، أنا لم أزل، أدعوكَ من خلفِ الجراح/..إنها الصرخة التي تردّد صداها على مدى ترحاله من مصر إلى موسكو فدمشق، وبعدها بيروت، حيث التحق بالثورة الفلسطينية، بعد أن عمل طويلاً، وفي البلدان التي ذكرناها، بالصحف والمجلات الثقافية..عاش حياته يقدّ غضب هذه الصرخة، ويحوّلها إلى قصائد لم يمنعه ما عاشه من مطاردةٍ وسجنٍ ومنفى، من أن يجعلها صلة الوصل بين جميع الفلسطينيين، وسواء المشرّدين أو المنفيّين، أو حتى الموجودين في أرض الوطن ومخيمات اللاجئين..يتصاعد الغضب في صرخته، ويزداد إصراراً على تحدّي العدوّ المحتلّ، وكلّ أسلحة دمويته.. يتحدّاه بالقلم والقصيدة، وبمفرداتٍ تمزّق مخيمات اللجوء وتكسر أوتادها، وتخيط جراح أبناء شعبه وأشلاء شهدائه بضميرها.. وتبقى “غزة” جرحه العميق الذي لا يندمل، ونشيد حنجرته الصارخة حدّ تشظّيها، رفضاً للاحتلال الذي أغرق أرضها بنزيفٍ لا زال ينهمر: “البحرُ يحكي للنجومِ حكايةَ الوطنِ السجين/ والليلُ كالشّحاذِ يطرقُ بالدموعِ وبالأنين/ أبواب غزّة وهي مغلقةٌ على الشعبِ الحزين/ فيحرّكُ الأحياءَ ناموا فوق أنقاضِ السنين/ وكأنهم قبرٌ تدقُّ عليه أيدي النابشين.. قد أقسموا والشّمس ترخي فوقهم حمر الضفائر/ أن يطردوا من أرضنا الخضراء تجّار المقابر/ ويُحرّروا الإنسانَ من قيدِ المذابحِ والمجازر/ ويُحرّروا التاريخَ من قلمِ المغامرِ والمُقامر “…
