الثورة – محمود ديبو:
أبدت وزارة التربية اهتماماً واضحاً من خلال طباعة كتب مدرسية أنيقة وملونة وتخصيص حصص درسية أسبوعية لمادة المعلوماتية منذ مراحل التعليم الأولى، وتكليف مدرسين وتجهيز ما يسمى مخابر أو قاعات صفية مزودة بعدد من الحواسيب لتدريس هذه المادة بشكل عملي على الحاسوب ويبدو الهدف واضحاً وهو انضاج أجيال قادرة على كسر الجهل بهذا المجال وتمكين الطالب من فك شيفرات التعامل مع الحاسوب.
ولعلها من الخطوات الأهم التي تم اتخاذها خلال عملية تعديل وتطوير المناهج المدرسية لمختلف المراحل وإدخال أبحاث ومعارف جديدة والتوسع في نشر ثقافة المعلوماتية وتكريسها في المجتمع خاصة وأننا نعيش في عالم أنجز خطوات مديدة في التحول الرقمي على أوسع نطاق.
لكن إلى أي مدى وجدت هذه الخطوة مرتسمات لها على أرض الواقع في مدارسنا العامة والخاصة، وهل فعلاً يستفيد الطلاب من الحصص المخصصة لمادة المعلوماتية.. ؟؟
قد نجد بعض المدارس النموذجية أو تلك التي حظيت باهتمام أو رعاية أو دعم بشكل أو بآخر قد نهضت بهذا الجانب بعد توفر الأدوات والوسائل اللازمة من أجهزة حاسوب ومدرسين وكهرباء أو مولدة تؤمن تشغيل الأجهزة خلال الوقت المخصص للحصة الدرسية، بالمقابل نجد في بعض المدارس أنه يتم التعامل مع هذه المادة على أنها مادة هامشية وغير مهمة وقد تمت إضافتها إلى قائمة المواد الثانوية والتي لا تحظى بالاهتمام الكافي كالرسم والموسيقا والرياضة، ليكون الحصول على علامة النجاح فيها تحصيل حاصل لا يكلف الطالب أي أعباء دراسية، ولا تقع الملامة على الطلاب هنا إذ إنهم لا يتلقون من هذا العلم إلا بعض المعلومات النظرية التي عليهم أن يحفظوها كما هي دون أن يتمكنوا من تطبيقها عملياً على الحاسوب.
هي حقيقة نلمسها في عدد من مدارس دمشق العامة والخاصة على حد سواء، فإذا كان الحال هكذا في مدارس بالعاصمة فكيف هو في مدارس باقي المدن والقرى والأرياف التي ينتظر الطلاب في بعضها وصول مدرسين للمواد الأساسية فكيف بمادة كالمعلوماتية..؟؟
هو واقع يجب ألا نتخطاه ونقفز فوقه، وعلينا أن نعترف بوجود خلل يجب تداركه وعدم التهاون به، وإلا فإن مشهداً من مثل أن ترى طالباً يتعامل مع مادة المعلوماتية وكأنه يحفظ قصيدة شعرية أو درساً في التاريخ دون أن يدرك أو يعرف ماذا يحفظ وكيف يمكن أن يطبق بشكل عملي ما حفظه، مثل هذا المشهد سوف يبقى يتكرر وسيثير الكثير من التساؤلات والاستغراب لدى الأهالي وكل من يتابع ويراقب، وربما الاستهجان أيضاً، فكيف نضع مقرراً صفياً يحتاج إلى وسائل إيضاح عملية وإلى وقت ودروس تطبيقية، ولا نوفر الحد الأدنى من تلك الوسائل التطبيقية أو ربما حتى لا نوفر المدرس القادر على إيصال المعلومة بالشكل الصحيح..؟؟
فهناك مدارس لا يوجد فيها مدرس مختص بمادة المعلوماتية، ويتم الاتكال على مدرس أو مدرسة باختصاص آخر لإعطاء هذه الحصة هذا إذا لم نقل إن بعض المدارس اعتبرتها حصة فراغ أو حولتها إلى حصة رياضة يسمح للطلاب فيها أن يلعبوا في باحة المدرسة حتى يحين موعد الحصة التي بعدها..
ويبقى الحديث عن قاعات الحاسوب مفتوحاً على عدة احتمالات منها أن بعض المدارس لم يتم تجهيز مثل هذه القاعة فيها حتى الآن، وبعضها الآخر لا يتوافر فيها العدد المطلوب من الأجهزة بما يكفي لتدريب كل الطلاب خلال الحصة الدرسية، وبفرض أن بعض المدارس لديها مثل هذه القاعات واستطاعت أن تجهزها لإنجاز الدروس العملية في مادة المعلوماتية إلا أن التقنين الكهربائي يحول دون ذلك..
في أحد صفوف المرحلة الإعدادية بمدرسة خاصة في دمشق وزَّعَ “مُدرس المعلوماتية” لطلابه ملخصاً وطلب منهم حفظه كما هو مبيناً أن أسئلة المذاكرة ستأتي منه، لكنه لم ينس أن يعتذر منهم قائلاً: “عند توفر الحواسيب في المدرسة سنشرح لكم بشكل عملي”..!!
إن المضي في إنجاز مشروع ما بغض النظر عن مجاله يحتاج إلى إرادة واعية لأهمية ما يتم التخطيط له، ولضرورة النتائج المتوخاة منه، ويحتاج لإرادة مدركة بأن تحقيق النجاح يحتاج إلى توفير كل الإمكانيات اللازمة والضرورية وبأفضل جودة ومواصفة، وإن غير ذلك لن يفض إلا إلى نتائج عرجاء وربما مشوهة ولا تشبه الهدف الذي جرى تسويقه على أنه هو وراء كل ما يبذل من جهد ومال ووقت..!!