الملحق الثقافي- غالية خوجة:
أيها الوقت الترابي والصخري والأرجواني،
لماذا صرت أكثر بياضاً من غيومنا؟
لعلك تتسع،
لتلفّ معنا أرضنا التي ضاقت بأكفاننا…
لعلك تتسع،
وأنت تحمل رمادنا مع عظامنا المفتّتة،
وتغرسها عميقاً،
تغرسها إلى أن تتفتّح رؤوسنا أشجاراً، جبالاً، غيوماً..
إلى أن تبزغ جماجمنا آنَ الشفق،
وتهطل أصواتنا آنَ الغسق…
أيها الوقت،
أما زلت تتسع؟
سألَ الغدُ،
واستدار مع غبار المشهد،
ليكتوي بلحظاته المحترقة،
ويختلط بغبار الذاكرة المطرز بغبار الآن…
وبينما ينتفض مثل أوردة الجنين المشتعلة،
وأدمغة الأطفال المتشظية،
وقلوب الأمهات المنصهرة،
وأحداق الآباء المتجمّدة،
وبينما ينفض عنه الرماد إلى الأبد،
صرخ صرخته العظيمة:
اتّسعْ أيها الوقت،
واحضنْ شعرَ أمي كي لا تتألم،
وخذْ لعبتي من قذيفتهم،
وأعدْ إليّ عينيّ وقلبي،
لألمّ أشلائي المحترقة،
وأساعد أبي على الخروج من الكفن…
أيها الوقت العنكبوتي،
تمزّقْ،
فوقتي قيامة كونية،
ورياحي أكفانٌ تنبت من كل سنبلة،
ووردة،
وشمس…
أيها الوقت الأرجواني،
آن اتساعك لأخضري،
فأرواحُنا ستظل النجوم،
ودموعُنا،
أزاهيرَ القمر…
وشظايانا،
مداراتِ الفصول…
وذاكرتُنا،
أقلامَ الأفلاك…
ودفاترُنا،
رُقيماتِ القدر…
أيها الوقت الأرجواني الأكثر بياضاً،
يا لقلبكَ الشفّاف،
كأنه فراشةٌ تقمّصتْ مخيلة جدتي..
أو حمامةٌ خرجتْ من سفينة نوح،
وعادت بغصن أخضر نابضٍ بأحلام جدي…
أيها الوقت الأبيض الأكثر أرجواناً،
يا لروحكَ البريئة،
كأنها كفني وهو يصير شراعاً لسفينة فينيقية،
ومجدافاً لسفينة كنعانية،
وعطراً في جرة فخارية مدفونة منذ آلاف السنين…
أيها الوقت المضمّخ بأرواحنا الأكثر بياضاً من غيومنا،
أيها الوقت الأخضر،
لا تنتظرني،
ولن أنتظرك،
لأنّا معاً وقتٌ أرجوانيّ لفلسطين،
وكفننا بلون شمس تشرق من كلام الطين،
وتشعّ أرجواناً أكثر بياضاً من صرخة الأبدية…
العدد 1168 – 23-11-2023