محمد شريف جيوسي ـ كاتب أردني:
انتقد الرئيس الأمريكي السابق ترامب، في مناظرة له مع منافس من آل بوش، للفوز بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأمريكية المقبلة ـ حرب بلاده على العراق بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، لم يمتلكها وهم يعلمون كما قال: “أنه لا يمتلكها”، فما قاله ترامب بمثابة تأكيد المؤكد.
لكن ترامب نسي وجود قواعد عسكرية أمريكية في العراق وفي سورية؛ دون وجود أدنى ذرائع، بعضها أقيم في عهد رئاسته للولايات المتحدة، وبعضها قواعد قائمة كالتنف ؛ كرس وجودها ، وتبنى “قسد”، واستخدم “داعش” كهراوة ينقّلها حيث يشاء لضرب أهداف سوريّة وعراقية وتهديد أمنهما الحدودي المشترك، وأحيانا لتبرير وجود التحالف العسكري الأمريكي الدولي لضربها “أي داعش” عندما يرفض بعض متزعميها تنفيذ أوامره بدقة.
ورغم أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة قد أقرت أمام مجلس الشيوخ أن بلادها هي من أنشأت “داعش”، ودعوتها الجماعات الإرهابية المعتدية على سورية من بقاع الأرض الأربع ، إلى عدم القبول بحل سلمي وقالت بالحرف “إنهم مدربون ومسلحون وممولون جيداً” ظنا منها وقتذاك ـ أن سقوط الدولة السورية الوطنية بات وشيكاً ـ أقول رغم هذا وذاك ، مازال البعض ينسبُ الأمور إلى غير أصحابها ، ويزعم أن منشأ “داعش” ليس أمريكا.
ويزعم هؤلاء أيضاً ، أن أردوغان “خليفة المسلمين المزعوم”؛ الذي استجلب الإرهابيين الطورانيين والشيشان والإيغور، سيصلي في الأقصى بعد تحرير دمشق، وإذا بالخليفة المزعوم يَطْردُ حتى أبناء جماعته الإخوانية ، ويزود الكيان الصهيوني بالماء والغذاء والدواء والعتاد ، كما كشف عن ذلك بالتفصيل الممل نائب تركي شجاع ، وآخرون من بينهم قيادات سابقة في حزبه ونظامه السياسي .. لكن هؤلاء البعض مازالوا يكذبون ويصدقون أنفسهم ، بأن أردوغان لا يمكن أن يفعل ذلك ، ويجمعون له العملات الصعبة لتمويل دعمه لإسرائيل ، ولا يرون بأم أعينهم وأدمغتهم غير السوية مصالحاته مع إسرائيل وحجم تعاونه الكبير معها وتبادلاته التجارية الهائلة.
ألم تكن أطياف واسعة من الذين يشنون الحملات على سورية ومحور المقاومة أن من يقاتل اليوم بكل شرف إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته هم أطراف هذا المحور فيما الآخرون يطالبون الفلسطينيين بالتوقف عن مواجهة إسرائيل ، وإتباع الحلول السلمية التي لم تسمن ولم تغن من جوع، كما يفتي بعضهم اليوم وكما أفتى بذلك مشايخهم مثل السقيمان والعريفي والقرضاوي وغيرهم من قبل.
هؤلاء يوجّهون سهامهم لإيران وسورية المحاصرتين منذ عقود، كما يوجهون انتقاداتهم لكل حركات المقاومة في المنطقة، وإن تشجّعوا أكثر ووسعوا قاعدة انتقاداتهم، شملوا الجميع على حد سواء، وخصوا بالمطالبة من هم على خطوط النار المباشرة والبعيدة التي أصبحت قريبة بفضل إصرارهم على العطاء المتصل ، فإما الشهادة وإما النصر.
في هذه الظروف الاستثنائية كم نحن بحاجة لتسمية الأمور بمسمياتها، وكشف الألغام المحجوبة بالشوك أو الحرير أو التضليل أو الخلط المتعمد ، وفي كلٍ لن تعط من ذكرت من شرفاء الأمة ؛ الفرصة للمضللين لإنجاح محاولاتهم حرف القضايا عن سككها الصحيحة ـ وسيبقون في الطليعة وإن تعددت أشكال المواجهة وتنوعت واستدامت ، وإن كانوا قد أرادوا الاصطياد ، فالواقع أن مشغليهم هم الخاسرون هذه المرة ولا مناص، وبين ما خُطّط له وما يحصل على أرض الواقع فراسخ، فليطمئن من راوده قلق، فالنصر قادم لا محالة، وليبتئس من خابت حساباته.