الثورة – حلب -جهاد اصطيف:
مشهد أسواق حلب في شهر الأعياد نهاية العام، يشير إلى وضع لم تعهده من قبل، إذ كان من المفترض أن تنتعش عمليات البيع والشراء في هذا الشهر ففي وقت يشتكي فيه الباعة من ضعف الإقبال، يشتكي متسوقون أيضاً من تدني الجودة وقلة التنوع وسط ارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار.
شبه ركود الأسواق ينعكس دون شك سلباً على الجميع في سلسلة البيع سواء المستورد أو المصنع إلى تاجر الجملة، حتى يصل للمفرق ثم الزبائن، خاصة وأن كلفاً مرتفعة بشكل دائم تركب على البضائع في سلسلة البيع ما يجعل سعرها غير منطقي مطلقاً – قياساً للدخل .
شبه خاوية
ففي أسواق التلل والعبارة والعزيزية والسليمانية وسيف الدولة والسبيل والفرقان والموكامبو ،عادة كانت تكثر حركة المتسوقين فيها بمثل هذا الشهر من كلّ عام لشراء الملابس الشتوية، لكن هذه الأسواق تبدو شبه خالية وسط قلة في عرض الموديلات الجديدة أو الاعتماد على تكرار ما لم يتم بيعه منذ أعوام، وعند السؤال عن سبب عدم طرح ألبسة جديدة، يجيبنا أحد الباعة بأن ضعف الإقبال وارتفاع الأسعار يمنعهم من ذلك.
كما أن أسواق العزيزية والسليمانية التي يفترض أن تعج في مثل هذه الأوقات بمتسوقي أشجار الميلاد وزينتها، نجدها هي الأخرى شبه خالية من المتسوقين ومستلزمات الأعياد على حدّ سواء.
وأكد صاحب أحد المحال في سوق العزيزية أن قلّة عدد الأشجار المعروضة قياساً بالأعوام السابقة، يعود لاعتبارات، أهمها: الظروف الصعبة وضعف الإقبال ما أسهم في شح المعروض ورفع سعره أكثر فأكثر.
جودة متدنية
لدى سؤالنا أحد المشترين الشباب الذي كان يجول في سوق العبارة والقريب منه سوق التلل عن سبب عزوفه شراء “بيجامة” شتوية قال: بعد بحث طويل وجدت “بيجامة” شتوية أعجبني شكلها ، لكن أثناء تجريبها وأنا ما زلت في المحل شعرت أنها تمزقت من أحد أطرافها، وعند سؤال البائع عن سبب تدني الجودة، أجاب حرفياً بأن هذه باتت سمة العديد من المعامل والورش في الوقت الحالي، فهي تختصر من مراحل العمل بغية التوفير بالرغم من غلاء القطعة بالنسبة للمستهلك.
أحد الخياطين في حي الأشرفية عزا أسباب تدني الجودة إلى أن معظم الورش باتت تعتمد على النساء لأن أجرتهن أقل من الرجال عادة، وهنا الخبرة تلعب دوراً مهماً في هذا المجال، فخلال أيام فقط ممكن أن تتسلم النساء العمل وتبدأ بالإنتاج دون تدريب كاف، ما يؤدي بالنهاية إلى نتائج سلبية أو سيئة على جودة المنتج، وأن أصحاب الماركات هي الأخرى باتت تعتمد على الورش البسيطة التي لا تختصر الخيطان والعمال فقط، بل حتى شراء الإبر أو اللوازم و”الإكسسوارات”.
جودة تعني سعر خيالي
كلّ هذا يقودنا من جديد للباعة الذين التقيناهم، حيث أشار معظمهم إلى أنهم غير قادرين على بيع بضائع ذات جودة لأن سعرها مرتفع جداً جداً وقد لا يشتريها إلا القلة القليلة وينتهي بها الحال إلى المستودعات، وبينوا خلال حديثهم أن بيع ملابس أرخص بكثير وبجودة متدنية، قد يكون الخيار الأفضل لدينا ويجنبنا الخسائر في عمليات الإرجاع أو الاستبدال وسواها، وبشكل عام يمكن القول : حتى الملابس ذات الجودة المتدنية يبقى سعرها مرتفع جداً قياساً بالرواتب والأجور، فأي سترة ولادية ” عادية ” يمكن أن يصل سعرها إلى مئة ألف ليرة للنوعية الأقل من متوسطة، بينما الرجالية فقد يصل سعرها للضعف وأكثر.
هذا باختصار واقع الحال في أسواق حلب التي لطالما كانت تعج بالزائرين والمتسوقين في نهاية كل عام ، إذ بتنا للأسف يوماً بعد يوم ومع استمرار تردي الوضع المعيشي، نجد المواطن بحلب مضطراً لأن يتبع أساليب مبتكرة جديدة تمكنه من مواجهة الصعوبات المفروضة على حياته، ولو على حساب ملبسه ومأكله وحتى على مظاهر أعياده.