فؤاد الوادي:
كجزء من حربها المتواصلة على الفلسطينيين في قطاع غزة، لا يزال القطاع الصحي أحد أبرز المستهدفين في القطاع على اعتبار أن تدميره سوف يخلق عامل ضغط على الشعب الفلسطيني ومقاومته من أجل إعلان الخضوع والاستسلام، وبالتالي التسليم بشروط ومطالب العدو الإسرائيلي.
لقد كان استهداف المشافي والكوادر الطبية والصحية أمراً ممنهجاً من قبل الكيان الصهيوني، ضمن إستراتيجية متكاملة لضرب قواعد الصمود والمقاومة الفلسطينية في غزة، حيث قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية منذ الأيام الأولى للعدوان بقصف معظم المستشفيات والمراكز الصحية بغية خلق واقع صحي منهار يستحيل فيه الصمود والاستمرار بالمقاومة، وصد آلة العدوان الهمجي التي قتلت ودمرت وارتكبت أبشع أنواع المجازر والإبادات الجماعية.
اليوم يبدو القطاع الصحي في غزة منهاراً تماماً، بعد قيام العدو الإسرائيلي بتدمير كامل المستشفيات والمراكز والمجمعات الطبية في القطاع، وهذا ينذر بخلق واقع صحي هو الأكثر كارثية وخطورة في العالم، حيث بات الفلسطينيون هناك على حافة الأوبئة والأمراض، لاسيما وأن آلاف الجثث لا تزال متكدسة داخل المشافي وفي الشوارع وتحت الأنقاض، في ظل الأحوال الجوية الباردة وغياب إمدادات الماء والطعام والدواء، وتشرد مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الشوارع والخيم.
منظمة الصحة العالمية، حذرت من انتشار الأمراض والأوبئة في ظل هذا الواقع المأساوي على جميع الصعد، خاصة بين الأطفال، حيث قالت المتحدثة باسم المنظمة مارغريت هاريس: ” إن انهيار المنظومة الصحية في قطاع غزة يزيد مخاطر انتشار وباء كبير، مع وجود أدلة ومؤشرات على ذلك”.
وأعربت هاريس عن قلق منظمة الصحة العالمية بشكل خاص من مخاطر انتشار الأمراض والأوبئة بين قرابة مليون طفل نازح في غزة، موضحة أنه في ظل الأجواء الباردة والماطرة هناك حالة جوع حقيقية، كما تهدد المجاعة 90 بالمئة من الناس في القطاع.
وبينت هاريس صعوبة واستحالة تقديم خدمات الإسعاف ومداواة المصابين في شمال غزة بعد خروج 23 مستشفى من أصل 36 من الخدمة مع تقديم خدمات جزئية في 8 مشاف لا تحصل على المستلزمات الطبية بسهولة.
أما منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) فقد قالت بدورها: إن أطفال غزة يعيشون في واقع وحشي في أخطر مكان على الطفل في العالم، خصوصاً بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر في خان يونس والذي يؤوي مئات الأطفال المصابين بجروح خطيرة، فضلاً عن مئات النازحين من النساء والأطفال في ظل شح الغذاء والمياه، وهذا بدوره أدى إلى انتشار أمراض الإسهال بين الأطفال والتي باتت قاتلة في ظل ارتفاع معدلات سوء التغذية، وعدم الحصول حتى على الحد الأدنى اليومي من المياه للبقاء على قيد الحياة.
إن انهيار المنظومة الصحية في غزة، سوف يؤدي إلى كارثة حقيقية خلال الأيام المقبلة إن لم يسارع المجتمع الدولي ومؤسساته المعنية بالأمر إلى وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع وإنقاذ أكثر من مليوني فلسطيني من وحشية الاحتلال وهمجيته وإرهابه.
ما يقوم به الكيان الصهيوني المجرم، لم يعد يعكس حقيقة إرهابه وإجرامه ووحشيته فحسب، بل بات يعكس ويجسد ما هو أبعد من ذلك بكثير، لأنه بات يجسد حقيقة أخرى، حقيقة انعدام الإنسانية في أغلب دول العالم، لاسيما تلك الدول التي تدعي الدفاع عن الحقوق والديمقراطيات وحياة الإنسان وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الاستعماري، الشركاء الفعليين لإسرائيل في كل جرائمها ومجازرها وإرهابها من نشأتها المشؤومة قبل نحو ثمانية عقود وحتى يومنا هذا.
