رنا بدري سلوم:
لا شجرة تتّسع لأمنياتِ أطفال غزّة، فقد خذل الطفولة “بابا نويل” هذا العيد، فلا هدايا يقدّمها لأطفال يتمنّون منه عودتهم إلى ديارهم وإحياء الشهداء من ذويهم، وهم وسط آلاف من أطفال تلفّهم الأكفان لأكثر من عشرين ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، قُدموا قرابين خلاص في إبادة جماعيّة يرتكبها العدو الإسرائيلي الفاشي لإنهاء الشعب الفلسطيني.
وليس غريباً على هذا الكيان الصهيوني الذي يُغرق أذرعه في دم الأبرياء وليس غريباً على الاتحاد الأوروبي أن يقف داعماً له، لطالما كان عدو الإنسانيّة تحقيقاً لمآرب سياسته الاستعماريّة، وإن عدنا إلى ذاكرة الحروب التي لا تنسى والتي تدفع الطفولة ثمنها، سياسة التجويع التي ارتكبها البريطانيون بحق الهند عام ١٩٤٣ مجاعة “البنغال” راح ضحيّتها ثلاثة ملايين شخص معظمهم أطفال، وأفعال غير أخلاقية وعنصريّة بحق الأطفال السود في الولايات المتحدة الأمريكية، وقطع رؤوس السكان الأصليين معظمهم من الأطفال من قبل الحكومة الأستراليّة، وفي الجزائر عام ١٩٤٥ أعدم الفرنسيون في منطقة سطيف قرى بأكملها راح ضحيتها ٤٥ ألف جزائري بأبشع الطرق وغالبيتهم أطفال ونساء وشيوخ.
هي الذاكرة السوداء لكيانهم الاستعماري والتي نذكرها اليوم مع كل قطرة من دماء الفلسطينيين، الفرق بين إبادات اليوم الممنهجة وسط صمت دولي لدول اعتادت وكما ذكرنا تاريخها الملّوث بدماء الشعوب، أن الشّعب الفلسطيني شعب عقائدي متشبّث بأرضه حتى الرّمق الأخير، يؤمن بالشهادة والولادة وأنّ النصر حليفه، ليست أقوال بقدر ما هي حقيقة يصدّرها الشعب الفلسطيني للعالم أجمع وهو تحت الرّكام وبين الأنقاض وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو جائع وجريح ومبتور وهو يتيم ومقهور ومعدم، بكل تلك الحالات التي يعيشها شعبنا الفلسطيني اليوم في قطاع غزّة وهو يدخل شهره الثالث من تلك الإبادة، لا يزال أطفاله يغنّون الحريّة والحبّ لوطنهم الذي لا يقبل التقسيم، هكذا اعتدنا الشّعب الفلسطيني منذ بدء الاحتلال وهو يمارس عليه أبشع المجازر، وسنراه صامداً اليوم وغداً، طالما أن الطفولة بحجم هذا الوطن المنتمين له بأرواحهم قبل أجسادهم، هم الفلسطينيّون أصحاب الأرض ولا خُرافة سيصدّقها العالم أن هذه الأرض التي ارتوت بدماء الأبرياء ستنسى وتساوم بل تقاوم، أمّا الدّماء التي لا تزال تنبض في عروق أطفالها فلا أمنيات لها في ليلة عيد الميلاد، إلا أن يعود السلام لغزّة، ليت وكما تمنى الطّفل زين “أتمنى أن يعيد بابا نويل منزلنا ويعيد الحياة لأمّي” وتعود منازلهم ودفء أسرهم وتغيب هذه الغمّة عن فلسطين ويندحر الكيان الإسرائيليّ هذا السرطان الخبيث من أرضنا المحتّلة، وتُجبر تلك القلوب المكلومة بنصر غزّة ويعود كلّ طفل مهجر إلى مهده فلسطين كما يعود رسول السلام بالنور والرحمة إلى مهده الأول والأخير القدس الشريف.