لميس عودة:
بين حصار مديد وقصف وحشي بالفوسفور المحرم دوليا يرزح أطفال غزة، وفوق ركام منازلهم وتحت الأنقاض يعيشون تحت مقصلة العجز الأممي وشلل منظماته المعنية بحقوق الإنسان، يعانون فائض إرهاب كيان مجرم تقطر من أنيابه دماء طفولة معذبة، يرتكب مجازره بأعين مفتوحة، لا يخشى من محاسبة أو تجريم طالما أن المنظمات الدولية مشلولة عاجزة ومصابة بداء الخنوع المهين لا تجرؤ على كبح جماح المعتدي، وتكتفي بإحصاء أعداد ضحايا الإرهاب الإسرائيلي، وتستنكر على خجل، وتعبر عن قلقها من باب سد الذرائع، ولا تمتلك آليات فاعلة وملزمة لبتر ذراع من سولت له وحشيته قتل طفولة في أمهادها، وإطفاء بريق أعين خدج قبل أن ترى نور الحياة.
الواقع المأساوي الذي تئن تحت ثقل وطأته الطفولة في غزة، وهي تحاول بما امتلكت من رغبة حميمة للنجاة معانقة نور حياة طبيعية لأطفال حقهم على العالم مجتمعاَ أن يكونوا بعيدا عن حمم الحقد الإسرائيلي، ووابل صواريخه التي تشظي أجسادهم وأمانهم وأحلامهم، حقهم المكفول في شرعة الأمم ومواثيقها وقوانين حقوق الإنسان أن يعيشوا في وطن محرر معافى، ويرسموا بفرشاة أحلامهم آفاق مستقبلهم، ولكن الاحتلال لا يريد لطفولتهم أن تكبر، لأنه يرى في بريق أعينها عهود المقاومة، واندحاره المحتوم، وتحرير فلسطين.
الطفولة الفلسطينية لم تغب يوماً عن الاستهداف الإجرامي لإسرائيل منذ أن تم زرع هذا الكيان عنوة على الخريطة الفلسطينية، فالأيديولوجية الصهيونية مغرقة في الإجرام والوحشية، متعطشة للقتل واستباحة حرمة الإنسانية، والدوس باستخفاف على المواثيق الأممية التي تحرم جعل الأطفال بنك أهداف، وفي مرمى آلة الحرب، حيث الدعوة لقتل الأطفال الفلسطينيين والتنكيل بأجسادهم مثبتة وواضحة في كثير من فتاوى كبار الحاخامات الصهاينة وتعاليمهم العنصرية، وهي تبيح سفك دماء الأطفال خوفاً من سيرهم على نهج آبائهم في الدفاع عن الأرض، أي أنهم يلهثون للقضاء على النسل الفلسطيني.
تقارير حقوقية كثيرة أضاءت على عتمة إجرام الاحتلال في غزة واستهدافه الأطفال، منظمات أممية عديدة ومنها اليونيسف أشارت إلى أن أكثر من مليون طفل فلسطيني في قطاع غزة يعانون الأمرين، أولهما تجرع مرارة حرمانهم من أبسط حقوقهم التعليمية والحياتية ومستلزمات علاجهم وغذائهم من قبل احتلال يريد إبادتهم، وثانيهما، القصف الوحشي للأحياء السكنية والمدارس ومستشفيات الأطفال، وهدم المنازل فوق رؤوس قاطنيها.
أكثر من 6600 طفل شهيد للحظة الراهنة على عدادات صناعة الموت الإسرائيلية، والعالم يشاهد ويتابع المذبحة، والمنظمات الأممية ترصد خروقات الاحتلال وفائض دمويته وإجرامه وتوثق مجازر العدو الفاشي التي باتت تطفح بها سجلاتها، إذ لم يسجل التاريخ أكثر وحشية في استهداف الطفولة مما تقوم به “إسرائيل” في عدوانها على غزة.
إن انخراط الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب الاستعماري في مجازر الإبادة الجماعية المرتكبة في غزة وتقاعس المجتمع الدولي عن نصرة المدنيين وبالتحديد الأطفال الذين يحتمون في المستشفيات والمدارس سيزيد من حدة الاحتقان إزاء سياسيات الاحتلال الإسرائيلي وتراخي المجتمع الدولي، ليس فقط في غزة بل في كل المناطق الفلسطينية المحتلة، وكذلك على اتساع مساحة الرفض العالمي لازدواجية المعايير الدولية والكيل بمكيالين.
وستبقى الطفولة الفلسطينية الشهيدة الشاهدة على العجز الأممي وتخاذل منظماته المريب عن إنقاذها وبتر ذراع العدو الغاشم، وستبقى دماؤها الطاهرة وجراحها النازفة وصمة عار على جبين الإنسانية،والأهم من ذلك لن يكتب لكيان الإرهاب الإسرائيلي الذي يغتال الطفولة أن يحقق أوهامه بتصفية القضية الفلسطينية وترهيب الأجيال، وسيعرف الدم الفلسطيني كيف يثأر لنزيف جراحاته، وسوف تستكمل الأجيال طريق المقاومة حتى تحرير فلسطين وزوال الاحتلال.
