الثورة – رفاه الدروبي:
“فرحة” فيلم درامي روائي طويل مستوحى من أحداث حقيقية بدأت قبل وقوع نكبة فلسطين واستمرت حتى اليوم، كتبته وأخرجته دارين سلام ذات الأعوام الخمسة والثلاثين، وحصدت جوائز عالمية عدة؛ تعرَّض الفيلم لهجوم كبير من شخصيات صهيونية معروفة إلا أنَّ هجومهم زاد من مشاهديه بشكل كبير، وترجم لعدة لغات.
وقعت مجريات الفيلم في قرية “لفتة” الفلسطينية؛ لكنَّ تصويره تمَّ على جغرافيا أردنيَّة شبيهة بالمكان الفلسطيني وتضاريسه.
يحمل عنوانه اسم فتاة صغيرة عمرها أربعة عشر ربيعاً، تعيش في إحدى القرى الفلسطينية والدها مختار القرية وحامل لواء المقاومة، كان يتسم بالشجاعة وبُعد النظر، ويؤمن بأنَّ الإمدادات العربية ستأتي إلى فلسطين لمساعدتهم في تحريرها، بينما تتصف ابنته بطموحها العالي وتمرُّدها على ثقافة تزويج الفتيات مُبكّراً والاكتفاء بدورهم مجرَّد جامعات ثمار ثم ربَّات بيوت، يظهر ولعها بالقراءة وتتضح رغبتها في الذهاب لإكمال تعليمها في المدينة ثمَّ العودة لقريتها وإنشاء مدرسة للفتيات.
يعيش أهل قرية الفتاة لحظة تاريخيَّة مفصليَّة تُؤرِّخ لبدء خروج القوَّات البريطانية من فلسطين، فتقف “فرحة” تراقب خروجهم بصحبة صديقتها “فريدة” الوافدة لزيارتها مع والدها من المدينة.
تبدأ عقدة الفيلم بتوجُّه الوالد لحماية أرضه إثر تهجير عرب فلسطين من قراهم على أيدي المهاجرين اليهود، لتتحوَّل أعداد كبيرة من الفلسطينيين إلى لاجئين في مناطق عربية مجاورة؛ وخوفاً على ابنته من أعمال السرقة والنهب والقتل والاعتداءات حبسها في “بيت المونة” العامر بالمواد الغذائية خلف باب خشبي سميك فيه شقوق، أوصده عليها بقفل معدني، ليعود ببندقيته العتيقة ويكمل المقاومة بما أمكن.
تبقى “فرحة” محبوسة في مخبئها، تحيطها الأصوات المختلطة، تحاول البقاء مُتماسكة، مُتمسِّكة بأمل عودة والدها، معتمدة على بعض المؤن في سدِّ جوعها، محاولةً معرفة ما يدور في المحيط الخارجي عبر فتحة في جدار القبو، لكنَّها سرعان ما تسدُّ عقب الباب الخشبي والفتحة الدائرية لمنع تسلل الدخان وأصوات الرصاص من الخارج. ولم تتمكَّن من منعها من الوصول إلى آذانها فيدوِّي صوت الرعد وتهطل الأمطار في الخارج، تستغلُّ الفتاة الفرصة لري عطشها بماء المطر، بمدِّ يديها بقطة فخَّار طينيَّة مكسورة عبر فتحة جدار، وتنقش قرص الشمس بسكين صغير، على قشرة اإحدى حبَّات البطاطا ولاتزال ورقة التقديم إلى المدرسة محفوظة بين صفحات كتاب صغير تحتفظ به.
تحاول فرحة كسر الباب بعد أن تشهد بأمِّ عينيها الاحتلال يقتلون عائلة فلسطينية ويتركون الرضيع كي يموت لوحده فلا تستطيع، تنظر إلى المكان بتمعُّن فترى كيسَيْ القمح تُبعثر أحدهما فتعثر فيه على مسدس خبأه والدها، وتبعثر الآخر فتجد داخله رصاصات لتعبئة المسدس تطلقها نحو قفل الباب فيفتح وتخرج لتروي عطشها بين قريتها الخربة، ولا تملك بين يديها سوى ورقة اقتطعتها من كتابها، مكتوب عليها إهداء من صديقتها فريدة، وخنجر أبيها أهداها إياه.
تذهب فرحة للنهر فتستحم تحت شلال الماء المتساقط منه، بعد أن تحلَّ ضفائر طفولتها وتجلس لتتناول ثمر التين على أرجوحتها المتدلِّية، ثمَّ تسير وحدها مشياً على قدميها حتى تصل إلى سورية وتلتقي بوالدة المخرجة دارين سلام وتروي لها قصة بقائها على قيد الحياة والمجازر المرتكبة من العدو بحق الشعب الفلسطيني الأعزل.
استخدمت المخرجة كاميراتها بدقة وحرفية عالية عكستها عبر لقطات بدت من فتحة الباب وشقوقه وأظهرت جمال طبيعة فلسطين الخلَّابة، مُستخدمةً إضاءة لافتة ظهرت في الليل والنهار وأظهرت المشاعر والمؤثرات الصوتية بحرفيَّة عالية، بينما ارتدت الشخصيات ملابس الفترة ذاتها والزي التراثي الفلسطيني بنقوشة وتطريزاته البديعة، وكان الفيلم شاهداً ووثيقة تاريخية على الجرائم المرتكبة فيها.