الثورة – عبير علي:
يتابع الفنان أيمن فضة رضوان بحوثه المتواصلة في (إنتاج اللوحة وعرضها)، وقد أقام عشرات المعارض الفردية داخل سورية وخارجها، إلى جانب معارضه الجماعية، تناول خلالها مختلف المواضيع، وخاصة الوجوه والأجساد، بصياغة تعبيرية مبسطة، وهو يركز في هذه المرحلة على ألوان الأكريليك، بعدما أظهر في مراحله السابقة مقدرة على إبراز عفوية الألوان الزيتية.
ولإلقاء مزيد من الضوء على تجربته كان حورانا معه.. ما الجديد الذي طرحته في لوحات معرضك الأخير في أبو ظبي؟
حمل المعرض عنوان (وجوه سورية) وفيه عملت على تجسيد تداعيات الملامح المتغيرة والمتبدلة في الوجوه والعيون، كتعبير عن التحول الذي يطرأ عليها من فترة إلى أخرى، وذلك لإظهار نسيج الحياة والعمر وعلامات الزمن، فالوجه هنا هو مدخل لتأمل خطوط العمر أو إيقاع الحياة. والتبدلات التي تظهر على وجه الإنسان في مراحل عمرية مختلفة، وهي طريقة أيضاً لرسم الخط البياني الإيقاعي الصاخب لرحلة العمر العاكسة لمرايا الأزمنة.
توجد تحولات على صعيد التقنية والأسلوب، فاللوحة أصبحت أكثر نضجاً وقدرة على التعبير عن الانفعال الذاتي، بهدف الوصول إلى جوهر الأحاسيس الإنسانية العميقة، وهذا يعطي اللوحة المزيد من الحرية في تحريك اللون وصياغة الخطوط، بحيث تتحول الأشكال والعناصر والرموز إلى ضربات ولمسات ولطخات لونية وحركات خطية، فيها الكثير من التنويع العاطفي والوجداني والذاتي.
فالحركة السريعة تلبي بعفوية مطلقة انفعالاً ذاتياً يحقق الحضور الذاتي، ويلبي انسياقاً نحو إيقاعات أكثر عفوية، وهذا يعني أن العفوية والسرعة المطلقة في التشكيل لا تؤذي اللوحة، وبالتالي لا تجعل عملاً يبرز على حساب الآخر في خطوات ابتكار نسيج بصري خاص، يتخطى الرؤية التقليدية، ويزيد من حالات تحسسنا لإيقاعات جمالية حديثة لها علاقة مباشرة بثقافة وفنون القرن الماضي، التي غيرت مجرى الفن في العصر الحديث.
ما الموضوعات التي طرحتها في لوحتك التي رسمتها أمام الجمهور في دار الأوبرا بدمشق؟
اخترت عازفات الناي كموضوع، وذلك لإيجاد حالات المقاربة بين الرسم والموسيقا بعفوية وبانسجام، ولوحاتي الأخرى تدور أيضاً حول الوجوه والأجساد، ويمكن أن تشكل وبطريقة غير مباشرة استعادة رمزية للمخاض العسير الذي يعيشه الإنسان المعاصر، فاللوحة هنا إلى جانب دلالاتها التشكيلية والتقنية والإيقاعية والموسيقية، هي فسحة لمتابعة مشاعر القلق والهلع الموجود في الواقع الحياتي الراهن.
ولقد أعدت إيقاعات وتنويعات الأجساد والوجوه بخطوطها وألوانها إلى حالاتها الأولى، للتعبير عن الخراب الداخلي، الذي يعيشه الإنسان المعاصر، وهكذا ظهرت تنويعات الوجوه والأشكال كحلقات متتابعة تعكس أحاسيس الدمار الداخلي والخارجي معاً، عبر هواجس تشكيلية حديثة وتصورات تقنية تعبر عن حالات الانفعال باللون وبالموسيقا أثناء الرسم.
ولقد حاولت كسر أو تجاوز السياق الأسلوبي السابق القائم على تفضيل اللون على الخط، وأصبحت أرسم في هذه المرحلة مركزاً على انسيابية خطوط الرسم وتداخلاتها وتموجاتها الإيقاعية، والمناخية اللونية الحاضرة في لوحات المعرض تتأتى من دلالاتها وأشكالها المنفتحة على أداء مسحوب من الأحاسيس الداخلية، التي تحول اللوحة إلى صياغة عفوية للإنسان، تعتمد على حضور الفكرة القادمة من الواقع، ومع ذلك تركت للمشاهد فسحة أمل بقدوم حياة جديدة، حين جعلت المشاهد يتنفس أوكسجين الفرح في لمسات اللون الحي وفي الفسحات المضاءة.
الإشارات الإنسانية تتداخل في اللوحة الواحدة، وتتداخل بحرية وعفوية تتخطى الرؤية الواقعية التقليدية، وتفتح أمدية داخل مساحة اللوحة، وتذهب إلى الجوهر وتؤكد صياغة فنية تزيد من حالات تحسسنا لإيقاعات جمالية حديثة تعرف كيف تختزل الأشكال الواقعية، وتبرز المشاعر الانفعالية، حيث يتغلب الطابع التعبيري على الناحية التصويرية التسجيلية، وهذا يعني بروز تشكيلات عبر هذه الحساسية المتمادية في الذاتية إلى درجة تجاوز ما هو متعارف عليه من جماليات وعناصر تعبيرية مألوفة في الفنون الحديثة والمعاصرة.
ما المدرسة التي تأثرت بها أكثر من غيرها؟
أنا أنتمي إلى المدرسة التعبيرية، ولا أتجاوزها إلى التجريدية أو غيرها، فأنا أبقى على صلة بإشارات الموضوع المتخيل وعناصره الحية التي تقيم علاقة بين اللون والإحساس وبين الحضور والتلميح الشكلي، وهذا يعني أنني أحقق رغبة بإضافة الحركة والحيوية العاطفية إلى لوحاتي لإبراز عنف اللمسة العفوية والكشف في آن عن حساسية التأليف التكويني والتلويني، والتعبير عن أقصى الحالات الانفعالية التي أجسدها في حركة الأشكال والرموز، التي تعكس الصدى اللوني لتموجات الحالة الداخلية التي أعيشها أثناء إنجاز لوحتي الفنية التشكيلية.