الثورة – ديب علي حسن:
شكلت مقاومة الشعب العربي الفلسطيني ضد الاحتلال الصهيوني عمود الأدب العربي في القرن العشرين، ولم يبق شاعر عربي داخل الأرض المحتلة أو خارجها ومن المحيط إلى الخليج إلا وكانت فلسطين حاضرة في إبداعه في الشعر والرواية والقصة والفن والدراما والمسرح.
وغزة المدينة الصامدة الصابرة المناضلة المقاومة كان لها نصيب وافر من هذا الإبداع.. من يوسف الخطيب (رأيت الله في غزة) إلى هارون هاشم رشيد (صباح الخير يا غزة.. وغزة في خط النار) ونزار قباني (أطفال غزة).
وغيرهم كثيرون من الشعراء والمبدعين..
اليوم غزة توقد الشعلة في صدور المبدعين ودم أطفال غزة هو الحبر الأنقى والأغلى وأنبل الإبداع هو صمود أهلنا في غزة.. وديوان غزة هذه المرة ليس من شعر ورواية.. بل هو الحياة كلها ملاحم غزة هي عنوان القرن الحادي والعشرين.. سلام لغزة وحين تبدأ البنادق بالعزف تموت القصائد العصماء…
وقد بدأتم لحن البنادق وصناعة النصر.. طوبى لكم..
ومن ديوان غزة الذي بدأ منذ نصف قرن من الزمن نقدم مقتطفات من ملحمة الشاعر يوسف الخطيب التي حملت عنوان: رأيت الله في غزة…
حَليبُكِ في دَمِ الشهداءِ ساقيةٌ
تهيمُ على جهات الأرضِ
ثم تَصُبُّ في بحرِكْ
حَليبُكِ خمرُ داليةٍ
يَعُبُّ كؤوسَها الندمانُ
ثم يكون من دمهم طِلى ثغركْ
حَليبُكِ غيمةٌ بيضاءُ
تشربُ منكِ لونَ الجرحِ
ثم تغوصُ في صدرِكْ
وليلةَ أن بَرَحتُكِ
ضِعتُ في الأحقافِ
أشردُ عنكِ في إثْرِكْ
وَعَدْتُكِ عند بستانِ القيامةِ
أَسرجي فرسَ الصباحِ
وَجَنِّحي الدنيا على قبرِكْ
هَبيِ أَنَّ النجومَ توارت الليلهْ
فتلك تُضيءُ فيكِ بنادقُ الثوارْ
هَبِي أَنْ شَحَّ منكِ الزيتُ في الشعله
فتلك صُدورهم دَفَقَت نبيذَ النارْ
لأَنكِ أنتِ – في واحد
هي البستانُ، والندمانُ، والخمره
لأن جبينَكِ الماردْ
هو الثُّوارُ، والثوره
وقلبُكِ وردةٌ مشكوكةٌ في الرمحِ
وهو على أَكُفِّ غُزاتِهِ جمره
وأنتِ الآنَ مَكَّةُ كُلِ قافلةٍ
وغارُ حِراءِ كُلِّ نبي
وأَنتِ الآن طيرُ البعثِ
يهبطُ معبدَ اللهبِ
يَـحُطُّ قَتامَ هذا الليلِ
ينفخُ في قِرابِ السيفِ
روحَ الحرفِ
بين قبائلِ العربِ
وأنتِ الآنَ آمنةٌ
وأنتِ حليمةُ الصحراءْ
وَبَوْحُكِ صارَ جِبريلَ القصيدِ
وسُورةَ الشعراء
وَجُرحُكِ صار مائدةَ المسيحِ
وزمزمَ الشهداءْ
وأعلمُ أَنَّ فوقَ الطُّورِ
مِن خشبي، ومِسماري
سأَصعدُ فيكِ جَلجَلتي
وَبَعْدُ، يكونُنِي الإنسانْ
فَخَلِّي بيننا وعداً
خِلالَ الليلِ، والبستان
وَجُزِّي خُصلةً، من فوق خَدِّكِ
نارَ تَذكارِ
ولو أني نسيتُ إليكِ ما النسيان
وهاتي قبلةً لفمي
وهاكِ دمي
على شفتيكِ
لونَ شَقيقةِ النَّعمانْ
لأني فيكِ غُصتُ غَيابَةَ الجُبِّ
وأصعدُ فيكِ طُورَ الحزنِ، والحبِّ
وها أجراسُ قافلةٍ
تجيءُ إليَّ عبرَ سفوحِ جِلْعادِ
فسوف أَشِيدُ مِئذنتي
على بَوَّابِة السلطانْ
وأقرأُ فيكِ، أدعِيَتي، وأَورادي
وأنشِدُ فيكِ إنشادي:
أُحِبُّ حبيبتي يا ليلُ
خُذْ بَوْحي وأسراري
وتحت ربيعِ شُرفَتِها
فتحتُ جروحَ قِيثاري
فنادِ عليَّ كلَّ الحيِّ
مِن عَسَسٍ، وَسُمَّارِ
يَظلُّ لديَّ قبلَ الموتِ
قبلَ البعثِ
عُمْرُ فراشةِ النارِ
وَعُمْرُ قصيدةٍ تُتلى
وَأَدعِيةٍ….