الثورة – بشرى سليمان:
يحتل الموت المرتبة الأولى من بين الأشياء التي تؤثر على النفس البشرية، والخوف منه أمر طبيعي، فللفقد رهبة يصعب على الكبير تجاوزها، فما بالك بالطفل الذي لا يستطيع أن يدرك معنى فقدان أحد أفراد العائلة أو أحد المقربين.
لمعرفة طريقة إيصال نبأ الوفاة للطفل، وتجنيبه صدمة موت أحد أفراد أسرته أو محيطه، وتخليصه من مخاوفه، التقت “الثورة” الاختصاصية النفسية يارا أحمد التي أوضحت أن البالغين عموماً يهربون من التحدث مع الأطفال عن الموت، من منطلق (الأطفال أصغر من أن يعرفوا ما يحدث) لذلك قد يخبرونهم أن أجدادهم سافروا بدلاً من إخبارهم بأنهم قد توفوا، وبسبب هذه النيات الحسنة الراغبة في تجنيب الصغار الحزن والألم أو الصدمة، غالباً ما يُحرم الأطفال من حقهم في الحزن.
أهمية الحديث عن الموت
تقول أحمد: خلال مراحل الطفولة المبكرة قد لا يفهم الأطفال أن الموت دائم ونهائي ولا رجوع فيه، لكنهم يدركون أن شيئاً محزناً للغاية قد حدث، وفي الوقت ذاته الكذب على الأطفال أو إخفاء الحقيقة يزيد من قلقهم، ذلك لأنهم يدركون جيداً ما يحدث حولهم، ويراقبون الكبار بشكلٍ مكثف مما يجعل خداعهم صعباً، من جهةٍ أخرى عندما لا يُعطى الأطفال في أي عمر تفسيراً مناسباً لحدث الموت، فإن خيالهم القوي سيملأ الفراغات، ويُكمل المعلومات التي حصلوا عليها من ملاحظتهم للمحيطين بهم، بأشياء أسوأ بكثير من الحقيقة البسيطة (على سبيل المثال: قد يعتقدون أن أحباءهم الموتى مدفونون وهم أحياء، ويلهثون بحثاً عن الهواء، ويحاولون الخروج من الأرض)، لذلك من الأفضل إعطاؤهم فكرة واضحة عما يجري بدلاً من تركهم لتخيلاتهم، كما يحتاجون أيضاً تفسير ما يحدث للروح بناءً على المعتقدات الدينية والروحية والثقافية للعائلة، ما يتطلب وجود شخص بالغ مسؤول يدعم الطفل أثناء الجنازة.
كيف يفهم الموت؟
إن وعياً خاصاً بشأن الموت ينمو عادةً لدى الأطفال، بمجرد مصادفتهم لحوادث الموت الوهمي في القصص الخيالية والألعاب والتلفزيون- كما بينت الاختصاصية النفسية، ونتيجةً لذلك عندما يموت أحد أفراد الأسرة يتفاعل الطفل بشكلٍ مختلف عن البالغين، فهو في سن ما قبل المدرسة يرى أن الموت أمر مؤقت، والميت سيعود مرةً أخرى للحياة، وهذا الاعتقاد عززته شخصيات كرتونية ماتت وعادت للحياة مرةً أخرى، كما في حكاية “بياض الثلج”، في حين يرى الأطفال الأكبر سناً أن من الممكن تجنب الموت من خلال التحلي بالذكاء أو الحذر أو الاستعانة بطبيبٍ جيد، فالموت في نظرهم ليس أمراً حتمياً، أما الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين (5-9) سنوات فيبدؤون بالتفكير أكثر بالموت كالبالغين، ومع ذلك يظل اعتقادهم أنه لن يحدث لهم أو لأي شخصٍ يعرفونه.
طريقة نقل النبأ
تفضل الاختصاصية أحمد أن يقوم الشخص الأقرب للطفل بإبلاغه بالوفاة، حتى لو كان هذا الشخص هو أحد الوالدين الذي يشعر بالحزن أيضاً، إذ لا بأس أن يبدو عليه الحزن أو يبكي، لكن لا ينبغي أن يكون منفعلاً لدرجة لا يتحكم بها بعواطفه، لأن هذا قد يثير قلق الطفل أكثر خلال الموقف المخيف والصعب أساساً، كما يجب انتقاء الوقت المناسب لنقل نبأ الوفاة بأسرع وقتٍ ممكن (فمثلاً يمكن الانتظار حتى نهاية اليوم الدراسي) وكذلك أيضاً اختيار مكان يسمح له أن يُبدي رد فعله بحرية أياً كان، فلا يكون هذا المكان عاماً، مع الانتباه الشديد لضرورة استخدام لغة مباشرة مع شرح موجز ومُبسط لكيفية أو سبب حدوث الوفاة من دون الخوض بالتفاصيل، وبالعموم اتفق الخبراء وبغض النظر عن عمر الطفل على عدم استخدام التعابير الملطفة إذ ينبغي تجنب عبارات من مثل “رحل– فقدناه” لأن الأطفال يميلون إلى أن يكونوا حرفيين للغاية، وهذا النوع من اللغة الغامضة يتركهم قلقين وخائفين ومرتبكين في كثيرٍ من الأحيان، أو بالعكس قد يقودهم إلى الاعتقاد بأن المتوفى سيعود وأن الموت ليس دائماً.