الملحق الثقافي- نبوغ محمد أسعد:
اليمامة والطوفان مجموعة قصصية جديدة للأديبة ملك حج عبيد صدرت مؤخراً، واختزلت مسيرة حياة طويلة بحلوها ومرّها وعبرت عن شقاء الأيام التي زرعت في النفس مرارة الحرمان وذكريات الماضي بما تحتويه من ألم يعيش مع الإنسان في حاضره، وجمعت الأديبة ملك حج عبيد في أحداث قصصها الأحلام وما فيها من مؤثرات من البيئة والمجتمع من خلال تلك اليمامة المثقلة بالمواهب والخطوب، والتي تصدرت المجموعة القصصية باسمها، في هذه المجموعة عدد من القصص الاجتماعية والإنسانية التي كونتها الكاتبة من واقع ليس بعيداً عن مجريات الأحداث وتحولات الحياة فهو محورها الأساسي، ومن هذا وذاك اختلطت مشاعرها وعواطفها الجميلة التي عكست ما تأثرت به ورتبت أحداث قصصها التي امتلأت بالوحدة والغربة النفسية عن العالم، واختلطت فيها الأهداف والمتناقصات والتحديات في تكوين فني جاء كما أرادت له الكاتبة ليرى القارئ كل ما عاشه الإنسان من خوف ورهبة وألم، تتناول المجموعة في سردياتها عناوين عدة نقف عندها ونحلق في فضاءاتها وآلامها..ففي قصة سحابة صيف نعيش لحظات الحب والأمل التي تنقلنا إلى عوالم الخيال والانتظار على شرفات الصدفات للوصول إلى لحظات الأمل المرهونة بالخيبة والخذلان والوهم الذي كان حائلاً بين الإنسان والحقيقة، وفي رسالة لم ترسل يعيش فيها القارئ محلقا مع آمال تحتوي بعض خطوط المستقبل قد يقترب من الوصول إليه ولكن ذئاب الخيبة متربصة دائماً فيبدو الانكسار أقوى أمام تحقيق أحلام كانت أجمل لو تمكن الإنسان أن يكون أجمل، أما في قصة رحلة فهي ليست بعيدة في مسارها عما سبق من القصص، ولاسيما في رسم الأحداث وابداعها وسعة مسافات الخيال أثناء كتابتها كذلك في قصتها ضربة حظ يتجلى الجمال الإبداعي الذي ظهر في حالة حب وصراع الإنسان بين الحب والكرامة الذي يصل به إلى أسوأ المراحل معتقدا أنه قد يصنع المعجزات من خلاله، فيعيش صراعات داخلية تؤدي إلى حقائق كانت مجهولة قوامها اليأس، وفي قصتها أيام التغريبة تسعى الكاتبة لإيصال رسالة تهدف من خلالها إلى حياة الشباب الذين فرض عليهم الواقع المؤلم، وتوزعت حياتهم بين الوجع والغربة بسبب قسوة المؤامرات ت وفظاعة الحرب التي استهدفت طموحاتهم وسعادة عيشهم مبينة أن الوطن هو الأحب والأجمل مهما كانت الظروف قاسية، كل القصص التي جاءت في المجموعة تعيش المؤلفة شخصيات الأبطال وصراعاتهم النفسية وخياراتهم المرة وتقف معهم على عتبات الظلم الذي نشأ في حياة الإنسان فما تخلت عن الأخلاق، وما تركت النهاية بيد الظلم فتركت الذكريات في القلب ليكون الألم حافزاً إلى القادم..فقصة الوحدة القاتلة مشحونة بمرارة الوحدة وتصل أحداثها للتفكير بالخلاص من براثن الخوف والانعتاق في عوالم المجهول مهما كان صعباً، المجموعة تبدو جمالياتها التعبيرية والشاعرية لتدل على ما يخبو في قلب الكاتبة من ثقافة مكتسبة وتجارب عاشتها واطلعت عليها فأضافت إليها واقعاً درامياً ينبض في قالب حزين يؤثر فينا ويأخذنا معه لنعيش مجريات الأحداث بمشاعرنا وبما يشبه تجاربنا اليومية وواقعنا فهي بصمة جديدة في عالم القصة القصيرة التي بدأت تنحسر في كثير من المسميات على الساحة الثقافية فتفقد كثيراً من فنيتها ومعالمها المبهر..لكن كاتبتنا مازالت تحافظ على فنية القصة وحضورها الألق بإبداع متفرد قل نظيره ليفرض وجوده برغم كل التحديات المفروضة لأهداف النيل من أدبنا العربي الجميل بكل أجناسه وحضوره الباذخ، وتعتبر الأديبة ملك من الناشطين ثقافياً في السنوات التي سبقت الحرب والرواية من منشورات اتحاد الكتاب العرب وهي عضو فيه.
العدد 1176 – 30 -1 -2024