الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
ثمّة عناوين في منهاج اللغة العربية ما زالت محفورة في أذهاننا وعقولنا، رغم مرور عقود قد تصل إلى نصف قرن ؟!
هل سأل أحدنا نفسه عن سرّ ذلك ؟!
ولماذا لم تذهب تلك المحفوظات والقصائد والقصص كغيرها من مواد أدراج الرياح ؟! أوتدخل طيّ النسيان ؟
ما زلنا ونحن جيل الستينيّات نحفظ قصائد المتنبي وأبي فراس الحمداني وميخائيل نعيمة وسليمان العيسى، ونتذاكر بقصص كليلة ودمنة وحق لا يموت و….
ليس لأننا لا ننسى، بل لأنّ من قام بتعليمنا وتدريسنا اللغة العربية في المرحلة الإبتدائية والإعدادية وفيما بعد الثانوية قدّم ما جعلنا نُحب لغتنا ونُفتن بجمالياتها اللفظيّة والبلاغيّة، وهنا أذكر بكل اعتزاز مدرس اللغة العربية في الصف السابع الأستاذ أحمد نبهان في ثانوية الثورة العربية في الصبورة، حيث كنّا ننتظر درسه بفارغ الصبر لأسلوبه الشائق وطريقة تدريسه المادة، وما زلت أتواصل معه عبر الهاتف والاطمئنان على صحته وتقديراً لدوره في تدريس اللغة العربية كتبت عنه أكثر من زاوية صحفية في جريدة الفداء منذ سنوات بعنوان (أستاذي الذي أحببته) نظراً للدور الريادي الذي قام به في تدريس مئات بل آلاف الطلاب في مراحل الدراسة المختلفة.
إذاً يمكن القول إن دور المدرّس في جذب وتحبيب وترغيب الطلاب باللغة العربية، مهم وضروري وكشف الموهوبين منهم سواء في الكتابة الأدبيّة أم التّعبير أم البلاغة والفصاحة وغيرها…والعمل على صقل تلك المواهب وتوجيهها والأخذ بيدها، وتقديم الدعم المعنوي والمادي وصولاً إلى امتلاك ناصية الكتابة بشكل جيد.
في الوقت الحالي ونتيجة تطور التكنولوجيا وتفجر المعرفة، وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة وانعكاس كل هذا على العملية التربوية والتعليمية وخصوصاً اللغة العربية، ثمّة آراء واقعية لمدرسي اللغة العربية تنطلق من معاناتهم اليوميّة مع الطلاب ومع المنهاج ومع أنظمة الامتحانات و….
ألفت إسماعيل مدرّسة لغة عربية في الحلقة الثانية تقول :
(لغتنا العربية لغة الجمال والعراقة ولغة العلم أيضاً، يكفينا فخراً أن تكونَ لغة القرآن الكريم.وألاحظ خلال فترة تدريسي للغة العربية أن الكثير من طلابنا يجدون صعوبة في فهمها فيبتعدون عنها إلى اللغات الأجنية الأخرى، والتي أصبحت محط اهتمامهم بشكل كبير،ربما لأنها أصبحت لغة العمل وأغلب الشباب يطمح للسفر خارجاً بحثاً عن عمل أو للدراسة، فلا حاجة كبيرة لهم للغة العربية..)
وعن كيفية جذب أبنائنا وشبابنا إلى لغتهم الأم تتابع قائلة: (برأيي الاهتمام باللغة العربية يبدأ من الصغر، فالطفل الذي يتربّى في بيت يهتم فيه الأب والأم باللغة، تجده بشكل تلقائي يحبّ اللغة ويهتم بها.
ويجب الاهتمام بها بشكل أكبر بالمراحل المبكرة من التعليم، من خلال تكثيف دروس اللغة العربية،إضافة إلى وضع مختصين لتدريسها في الحلقة الأولى، والقيام بنشاطات ثقافية تدعم اللغة مثل أداء أدوار مسرحية،وتخصيص حصص لإلقاء الشعر والتدريب على الخط العربي وربط الدروس بالواقع لتقريب فهمها،وتبسيط الدروس والابتعاد عن التعقيد في تعليمها، والتشجيع على المطالعة، والتي أصبحت نادرة اليوم، بسبب انتشار التكنولوجيا وكثرة استخدام الجوال، فكل الشباب منجذبون للجوال لأن الحصول على المعلومات أصبح أسرع وأسهل..)
غدير الحمادة مدرس لغة عربية في المرحلة الثانوية يقول:
(من خلال عملي أرى أن الشباب لم يعد يهمّه من اللغة العربية إلاّ تحصيل العلامة ..!!
لا أحد يقرأ أو يقتني كتاباً،ولم يعد يعرف الفصحى من العامية، بل أصبح المتحدث بالفصحى محط سخرية .!؟
ويضيف بأن الطالب بعد الامتحان ينسى كل ما تعلمه.!؟
ويرى المدرس الحمادة أن التكنولوجيا الحديثة قد فعلت فعلتها،بالإضافة إلى فهم الحضارة والتطور بشكل سيئ، فجذبت الشباب إلى سفاسف الأمور فتركوا الثمين..
هناك وجهة نظر أراها الأجدى وأعلم أنها مستحيلة في ضوء الواقع الراهن والسياسة التربوية والتعليمية المتبعة من قبل الوزارة، وهي عودة المناهج الدراسية القديمة للغة العربية وخاصة كتاب القصة القصيرة الذي كان موجوداً، ككتاب قصص قصيرة وكليلة ودمنة وحق لا يموت، فقد كانت تشد الطالب وتنمي موهبته.)
مع كل تطور تقني تزداد الهوة وتتعمق بين شبابنا ولغتهم الأم، وبالتالي نحن بحاجة ماسة للمزيد إلى الاهتمام باللغة العربية، وتعزيز مكانتها في عقول وأفئدة تلامذتنا وطلابنا بدءاً من مرحلة رياض الأطفال وحتى الجامعة، وتوظيف التقنيات المتاحة عبر الشابكة والتطبيقات المرتبطة بها لتنمية وصقل المهارات اللغوية وتنمية الذائقة الجمالية واللفظية لدى طلابنا والانتقال بلغتنا العربيّة من لغة تعلّم ومدرسة إلى لغة حياة، وهذا ما نتمناه.
العدد 1177 – 6 -2 -2024