الملحق الثقافي- حسين صقر:
فضلاً عن أنها تحتوي مفردات ومصطلحات جزلة تنساب إلى الذاكرة دون استئذان، فقد اكتسبت اللغة العربية الجمال والإبداع من روعة حروفها نطقاً وسماعاً وكتابةً، وتميزت بأصالة ماضيها، كيف لا وهي لغة القرآن الكريم، و هي من أقدم اللغات العالمية، وكانت ولا تزال من اللغات المستخدمة بين العرب حتى يومنا هذا.
ماحدث أنه في العقود الأخيرة دخلت على اللغة العربية مصطلحات غربية وأعجمية، منها ما تم تعريبه ومنها ما بقي على حاله، ولكن أصبح دارجاً، واستبدل بالمعنى الذي يقابله باللغة العربية، وكثر مع ذلك المتفزلكون باللغة العربية، حيث يتسابق السواد الأعظم لإدخال عدد من المفردات والكلمات خلال أحاديثهم ليظهروا طلاقتهم في الحوارات، متناسين خطر ذلك على اللغة العربية وحروفها، وأن العولمة وظهور تلك المصطلحات، وااللهجات العامية التي تنتشر بين الناس، بالتأكيد سوف تضعف من فرص التكلم بلسان فصيح، والكتابة تحت مظلة القواعد والنحو الذي يضبطها ويوازن كلماتها.
يجب أن ندرك كل لحظة أن اللغة العربية هي المرجع الأساسي للتخاطب والتواصل بين الشعوب العربية الذين يتحدثونها، خاصة وأنها لا تستخدم في الحديث وحسب، بل في التعليم والكتابة، و وسائل الإعلام المختلفة.
ففي الكتابة مثلاً، عندما تكتب لغتنا بالخط العربي فلا بدّ من لمسة فنية تزين أحرفها من زخارف ونقوش وحركات التشكيل، ويفصل بين كلماتها علامات الترقيم التي تحافظ على المعاني والهدف من كتابتها، كما تظهر في القرآن الكريم، أو تزين أو كما ترسم في الكتب والصحف، وعلى بعض أنواع المجوهرات والحُليّ.
واللغة العربية عندما تتحرك بها الألسن تتجلى فيها البلاغة والفصاحة والصور البديعية، والكثير من المعاني، لكن مع كل أسف وفي ظل ظهور وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي، أصبح هناك من يكتبها كما يلفظها، وهو ما يشكل خطراً على كلماتها وقواعدها وأسلوب أو طريقة قراءتها.
فجمال اللغة العربية لايظهر في الأحاديث العادية وحسب، بل في الشعر والنثر والخطابة والقصة، والرواية، الحكاية الشعبية، وفي النحو، والصرف، والبلاغة والتقطيع العروضي وعلم البديع.
و الشعر مثلاً كان ولا يزال فناً أدبياً أقبل عليه الكثير من الشعراء الذين برعوا في كافة ألوانه من غزل، ومدح، وذم، ورثاء، و وحتى في إيصال رسائلهم ومبتغاهم وما يريدونه من بعضهم، بل وكان الشعر رمزاً للتفاهم، وهو ما يضفي لمسة جميلة تطرب الآذان، بينما كان للرواية أيضاً والقصة دور كبير في ترسيخ مصطلحات هذه اللغة، لكونها لغة مرنة تعايشت مع كل الأزمان ومختلف الأجناس.
وبناء على ماسبق لابد من حملات التوعية والجلسات الحوارية التي تؤكد على أهمية الحفاظ على تراثنا اللغوي، وتوسيع حلقات البحث والنقاش في أصول اللغة العربية ومصطلحاتها وضرورة اتباع القواعد الصحيحة في الكتابة حتى أثناء المراسلات العادية، وتشجيع ثقافة استخدام المصطلحات الفصحى، لأن الحديث بلسان فصيح يساعد على التعبير والانسيابية في الحديث وإيصال الفكرة التي نريد دون عناء، والمراقب لمن يتحدثون العامية أثناء الحوارات والجلسات يلمسون مدى الارتباك الواضح في أحاديثهم وكلماتهم، وترى المهتم منهم يجنح فوراً وبشكل لا إرادي للحديث باللغة الفصحى.
النقطة الأخرى المهمة يجب التنسيق بين مجامع اللغات العالمية لإيجاد دور للغة العربية، حيث نرى معظم البحوث والدراسات تُقدم باللغات الأخرى، دون العربية، وهو ما يجعلها لغة بعيدة عن باقي اللغات، وهذا يتوقف أيضاً على جالياتنا في الخارج، لأنهم يتحملون المسؤولية عن ضعف انتشارها والحديث بها وضرورة التمسك بها وإيصال رسائلهم عن طريق المترجمين أسوة بباقي اللغات، لأنه من التحديات التي تعرقل انتشارها بعدما ساهمت في نهضة الحضارات الغربية هو ضيق مجال البحوث العلمية بها، ما يعرقل دورها في الانتشار بين ثقافات العالم الأخرى، في وقت اعتمد فيه التقدم التكنولوجي على اللغة الإنكليزية عند تأسيس تطبيقاته، وهو ما أدى إلى قلة الاهتمام بالعربية، والإقبال على الأخيرة.
العدد 1177 – 6 -2 -2024