الملحق الثقافي- د. ياسر صَيرفي:
لا شكَّ في أنَّنا عندَما نحاكي الجمالَ والجلالَ يكونُ للّغةِ العربيّةِ نصيبُ الأسدِ في شتّى عباراتِ الثّناءِ التي تكادُ تليقُ بعظمتِها التي تعجزُ عن وصفِها أجملُ العباراتِ وأسماها صدقاً، كيفَ لا وهيَ لسانُ الدّين والأمّةِ ورمزُ حقيقيٌّ للوحدةِ، وترسيخٌ قويٌّ لعنفوانِ الشبابِ، وهنا يجبُ الوقوفُ والتأنّي لرسمِ معالمِ تلك العلاقةِ التي تربطُ بينَ الشبابِ واللّغةِ العربيّةِ الأمّ، فالشبابُ رمزٌ للعطاءِ الذي لا ينضُب، واللّغةُ العربيّةُ كذلك لغةٌ لا تشيخ، وُلِدتْ في قمّةِ الكِبرياءِ والعظمةِ، واستمرّتْ وستبقى بروحِ الشّبابِ والتجدُّدِ، وهنا تجدرُ بنا الإشارةُ إلى أنَّ «اللغة العربيَّة والشَّباب توءمان في العشقِ والمُحاكاةِ» فكلٌّ منهما يصفُ الآخرَ ويحاكيهِ، لكنْ لو وقفْنا في يومِنا الحاضرِ عندَ نظرةِ الشّبابِ للّغةِ العربيّةِ لوجدنا بينَهما بَيناً شاسعاً، وهُوَّةً مخيفةً؛ لأنَّ السوادَ الأعظمَ من الشّبابِ يرونَ في العربيَّة تقوقعاً وتقليداً قديماً يجدرُ بهم الابتعادُ عن التمسُّكِ به مُنساقين وراءَ اللّغاتِ الأخرى والعباراتِ الجاهزةِ التي يتغنّونَ بها، مقيّدين في قوقعة ما يُسمّى روحُ الحضارةِ والتَّقليدِ الأعمى، فضلاً عن أنَّ وسائلَ التّواصلِ اليومَ تقفُ عائقاً أمامَ عودتِهم إلى حضنِ أمِّهم العربيّةِ؛ وهنا تجدرُ الإشارةُ إلى أنّ هناك واجباً دينيّاً وانتمائيّاً يدفعُنا للمضيَّ قدُماً في سبيلِ أنْ نكونَ أوفياءَ لماضينا وحاضرِنا ومستقبلِنا؛ وذلك بأنْ نكشفَ اللّثامَ عن عروسِ اللّغاتِ كي يراها القاصي والدّاني ويرى ما فيها من جماليّاتٍ تفوقُ حدودَ الوصفِ، فهي الأقدرُعلى رسمِ المشاعرِعلى صفحةِ اللّسانِ، وهي الجمالُ الذي يجدِّدُ نفسَه بنفسِه لِما فيها من مفرداتٍ وتراكيبَ ومرادفاتٍ لا تحدُّها حدودٌ، ولا تصلُ إليها مَطيَّةٌ، وفوقَ كلِّ ذلك هي الماضي بكلّ عراقتِه، والحاضرُ بأبهى صورِه، وجسرُ المستقبلِ الذي سيُقلُّنا إلى ضفّةِ القوّةِ والتّماسكِ والفَخَارِ، بها نرتقي ونكبُر، ومَن تبرّأ من ماضيه الجميل عاشَ على هامشِ الحاضرِ الذّليلِ، وصارَمستقبَلاًمن المنسيَّاتِ ، فلنكنْ أوفياءَ للّغةِ العربيّةِ التاريخِ والعَراقةِ، أوفياءَ للمُستقبَل الذي يزهو بنا، ولتكنْ سواعدُ الشّبابِ خيرَ مَنْ يحملُها ويدافعُ عنها.
العدد 1177 – 6 -2 -2024