أيمن أبو الشعر: الحياة صراع دائم، ولا حياة دون صراع

الملحق الثقافي- د. هواش نصر الصالح:
ايمن ابو شعر شاعر عربي سوري تمتد تجربته الشعرية بعيدا في الزمان والاصالة والابداع , اثار الكثير من الاشكالات في منجزه الشعري , وترك ومازال بصمة مهمة مع انه يعيش في المغترب لكنه دائم التواصل والتفاعل مع الوطن , وصدر له اكثر من كتاب عن الهيئة العامة السورية للكتاب , في هذا الحوار نقلب معه صفحات من محطات ابداعه     

يعتقد بعض المتابعين أنك ولدت في حمص هل هذا صحيح؟ حدثنا عن طفولتك، وتعلقك بالشعر.
لا، ولدت في دمشق، في حي الشاغور الشعبي، ثم انتقلت أسرتي لتعيش في حارة الأولياء في سفح جبل قاسيون وهي أيضاً منطقة شعبية، وأقصد أن تلك الأجواء والعلاقات البسيطة، وتفاعل الناس فيما بينهم وكأنهم أسرة واحدة هو ما تتصف به الأحياء الشعبية إضافة إلى تأثير الحكايات الشعبية السائدة بما في ذلك عن الجن والعفاريت والملائكة الذين كانوا جميعًا يعيشون بيننا، ويظهرون في أحاديثنا وتصوراتنا، طفولتي كانت قاسية إلى حد ما فقد نشأت في أسرة فقيرة عملياً الوالد موظف « وكان الموظف له مكانة عالية في المجتمع لكنه كان معيلاً لعشرة أشخاص ولم يكن راتبه يكفي طبعاً، مما دفعني للعمل في سن مبكرة بما في ذلك مساعداً في الكتابة عند عمي مختار حي الشاغور آنذاك، كنت في المرحلة الابتدائية، لكن جسمي كان كبيرًا يوحي بأني أكبر عمراً، في تلك الفترة تأثرت بالصوفية كثيرًا، حتى أنني كنت أحلِّق حقاً مع رقصات الميلوية في الجامع! وقد علمتني الصوفية الإيقاع بالدرجة الرئيسية، فكنت أكتب محاولاتي الشعرية الأولى وأنا أغنيها على إيقاع تلك الرقصات… مع إنجاز مرحلة الإعدادية سافرت إلى لبنان وعملت «باطنجي» عملياً مساعد البنّاء- الباطنجي الرئيسي كان صديقي في الحارة واسمه تيسير وقد سافرنا معاً، وكانت لبنان مدرسة طبقية بامتياز بالنسبة لي، سافر تيسير وبقيت وحيدًا، وفي الشتاء يقل العمل، وبقيت في منطقة رويسات صوفر، في قرية تسمى مجدل بعنا أهلها من أطايب الناس، ثم عشت في قصر لأحد رجال الأعمال، هناك في رويسات صوفر حيث منحني إمكانية السكن في إحدى غرفه، وتابعت العمل وحدي… لكن في الشتاء يتوقف العمل حيث تهطل الأمطار بغزارة، ومن ثم الثلوج، هناك أدركت كيف يمكن أن يبقى العاطل عن العمل دون طعام!!! واكتشفت أن الغني هذا الذي منحني إمكانية أن أعيش في أحد غرف بيته الفخم كان يستأجر ناطورًا ويسكنه في تلك الغرفة لهذه المهمة التي كان عليّ أن أشكره عليها!!! قصة طويلة لن أدخل في تفاصيلها، لكنها كانت مفيدة بقدر ما كانت مؤلمة … في لبنان تذوقت أول قبلة حب مراهقة وكتبت لها أول قصيدة غزل ووجد له طابع طفولي طبعًا حيث أذكر أن الفتاة « ص» شدتني إلى سطح المبنى وقالت ماذا تنتظر؟ لماذا لا تقبلني؟ وأغمضت عينيها… ثم فتحتها وقالت بأسى واستنكار ودي: «جبان حبيبي» وبالتالي كان مطلع تلك القصيدة: جبانٌ حبيبي أما قد وعدتَ بلثميَ شوقاً إذا البعُدُ ولّى وكان اللقاءْ أما قلتَ تلثمُ ثغري بشوقٍ وتلهبُ مني الدماءْ وجئتَ حبيبي فأينَ الوعودُ وأينَ الوفاءْ؟ (إلى أن أبرر ترددي ثم اقترب منها واختتم القصيدة بالقول:) أقبِّلُ منها الجبينَ حُنواً ويهمسُ وداً من القلبِ هاتفْ أخافُ إذا ما لثمتُكِ شوقاً فلابدَّ ثغري يذيبُ الشفايف… أما تعلقي بالشعر فيعود الفضل بذلك كما أعتقد إلى أمرين: الأول أنه فطرة، تقترب من «المقدور» بمعنى التكوين النفسي الذي يرى الأمور عبر الإيقاع والصور، والثاني المرحلة الصوفية التي مررت بها أثناء الطفولة وكان لها تأثير كبير على تكويني رغم قصر تلك المرحلة، ثم تشجيع عمي «خالد – مختار الشاغور» بالدرجة الرئيسية، ومكتبته الضخمة التي شجعتني دائمًا على قراءة كتبها ومعظمها من التراث الشعري… ثم دروب الحياة نفسها.. هذا باختصار شديد.. هل تعتبر نفسك شاعر تفعيلة، وكم مجموعة شعرية طبعت ؟أنا أعتبر أن الشعر الجميل يعبر عن نفسه بأية صياغة يكتب، على أن يكون شعراً وجميلاً حقاً، سواء أكان كلاسيكياً أم تفعيلة أم نثرياً، وأنا أكتب منذ البداية وما زلت الشعر الكلاسيكي وشعر التفعيلة، وأشعر أنني أستطيع أن أعبر عن مشاعري ورؤاي وطموحاتي من خلال هاتين الصيغتين، ولا أخوّل نفسي بأن أقيم النمط الثالث فيما يسمى الشعر المنثور أو قصيدة النثر، وليكن لكل مبدع أن يعبر عن ذاته بالشكل الذي يراه مناسباً.. أما ما صدر لي حتى الآن فهو ثلاثون مؤلفاً نصفها مجموعات شعرية آخرها «تغريبه أهل الشام»، وهناك مجموعتان باللغة الروسية هي «صوت الحياة»، و»قلب يبحث عن نبضه» وهي مختارات ترجمت من العربية إلى الروسية.
هل مايا الدمشقي هو اسم مستعار لك؟
نعم في السبعينات جمعتُ الأناشيد والأغاني الثورية والقصائد التحريضية المباشرية التي كنت ألقيها في الرحلات والتجمعات الجماهيرية والمظاهرات والاحتفالات، وهي مكرسة بالدرجة الرئيسية لفضح الامبريالية واستنهاض الهمم لتحرير الأرض المحتلة، «فارتأينا» أن تطبع المجموعة في إطار تصوير بخط اليد، واخترت اسم مايا تيمنا بشاعر الثورة البلشفية «ماياكوفسكي»، وطبعاً الدمشقي لتكريس المفارقة.. ومعظم تلك الأناشيد كان متداولاً بشكل كبير بحيث لم يكن صعباً على الناس وخاصة التقدميين تقدير من هو مايا الدمشقي.
ما هي كتبك غير الشعرية؟
هناك خمس مسرحيات آخرها مسرحية رجل الثلج وقد صدرت بالروسية عن دار بيبلوس كونسالتنك، وبالعربية عن وزارة الثقافة وهناك عدد من الترجمات كرواية «الأخوة والأخوات» لأبراموفيتش و»دراسات عن الأدب العربي في القرون الوسطى» لمجموعة من المؤلفين عن دار رادوغا في موسكو و»المجلد الأول من الشعر السوفييتي» ويحوي ترجمات ودراسات، و «من روائع القصة الروسية» عن وزارة الثقافة، وقصة «القمر المغرور» أيضاً بالعربية والروسية، ومجموعة 100 قصة قصيرة تحت عنوان «العذاب الشهي أو اعترافات عاشق» وأخيرًا مجموعة قصصية تحت عنوان «تراب الوطن»، وكتاب عن لقاءاتي بالشاعر الكبير رسول حمزاتوف، تحت عنوان «حمزاتوف بين جبال داغستان وقاسيون»، وقريبًا سيصدر كتابي عن لقاءاتي وحواراتي مع الكاتب العالمي جينكيز أيتماتوف.. بعض أبياتك يستحق أن يفرد له ملف خاص تحت اسم «حِكم أيمن أبو الشعر» هل أنت مع هذه الفكرة؟ ربما هناك بالفعل أبيات لها وقعها الخاص ورنينها المميز ومضمونها المفاجىء بمدى انعكاسه عن التجارب الحياتية، وقد تكون قريبة أو شبيهة بالحِكم، فالحِكم عادة تظهر كتكثيف لتجارب الشعوب وعبر أزمان متلاحقة عديدة، وأنا أخشى من أن يفسر البعض ذلك كتضخم وغرور، وأنا ابن الشعب البسيط المتواضع، ولهذا عبرت عن هذا الشعب بما يلامس مشاعره، لا يا صديقي لا أرغب في ذلك، ربما يكون مجديًا وموضوعيًا مثلاً فرز مثل هذه الأبيات في ملف على سبيل المثال يحمل تسمية « الأشعار النوعية المميزة للشاعر أيمن أبو الشعر»… على أية حال هذا شأن من سيقوم بمثل هذه التجربة مشكورًا.. بالمناسبة مثل هذه الأبيات يتم تداولها بكثرة حتى أنني أفاجأ أحياناً لكثرة مستخدميها في صفحاتهم وحتى مزودة بصور تعبيرية: إنّي أزدادُ إباءً إذْ يزدادُ طعانُ الأوغادْ فجنونُ السوطِ على الجسدِ الصامدِ تعبيرٌ عن خوفِ الجلّادْ.
علَّمني بوحُ جدارِ السجنِ بأنَّ إرادةَ رجلٍ حرٍّ أقوى مِن قِفلِ السجّانْ
علَّمني قبرُ فدائيٍّ بأنَّ إرادةَ رجلٍ حرٍّ أقوى مِن قِفلِ السجّانْ
علَّمني قبرُ فدائيٍّ أنَّ ركوعَ شهيدٍ فوقَ التربةِ أسمى آياتِ الإيمانْ
علَّمني لونُ الجرحِ النازفِ أنَّ الأحمرَ أشرفُ من كلِّ الألوانْ
أما زال لك برنامج في قناة روسيا اليوم؟
لا للأسف.. كنت أعد وأقدم برنامج «رشفات» وهو برنامج أدبي يبرز الأعمال العربية والروسية، وأقارن بينها وبين ما يقاربها من الآداب الأخرى، وأناقشها مع متخصصين بما يمكن أن يوصف ببرنامج الأدب المقارن متلفزًا.. وقد استمر لبضع سنوات ولاقى صدى رائعًا وكتبت عنه المقالات، لكنه توقف فيما بعد، ربما نتيجة تكريس التوجه الإخباري للقناة.
ماذا حل بدور النشر الروسية التي زودت طفولتنا بأجمل الكتب؟
للأسف كانت مرحلة غورباتشوف ثم يلتسن مرحلة تدمير لكل ما هو إيجابي طبعًا ما أسفر عن انهيار الاتحاد السوفييتي، وقد بدأ ذلك بإلغاء المؤسسات الكبرى بما في ذلك في مجال الأدب والعلوم والفكر، وكانت دار التقدم إحدى أكبر دور النشر في العالم إن لم تكن أكبرها فعلاً، ولكن بما أنها مؤسسة حكومية، ونهج غورباتشوف ويلتسن هو إلغاء دور الدولة وتكريس نمط السوق الحرة، انهارت دار التقدم وفرعها الأدبي «رادوغا» حيث كنت أعمل بالمناسبة، وتوقف مئات المترجمين عن العمل، وانعكست عليهم أجواء الفوضى والرشاوى والمحسوبيات، فمنهم من تمكن من تسجيل الشقق التي أعطتنا إياها الدار للسكن لأنفسهم فباتت ملكهم، والكثيرون «مثلي» أنا باتوا مهددين بالطرد إلى الشارع! بعد أن تكرست الرأسمالية الوحشية التي بدأها غورباتشوف.. لذا للأسف يا صديقي مثل هذه الدور التي حملت الفكر والأدب الراقي إلى مختلف أنحاء العالم لم تعد موجودة.. هل كتبك موجودة بي دي اف على النت؟ للأسف أنني ضعيف جدًا بالشؤون التقنية الحديثة، ولذا لم أقم بالطبع بمثل هذه التجربة، لكن بعض المتابعين الجميلين أقاموا موقعاً في الأنترنيت لأيمن أبو الشعر جمعوا فيه عددًا كبيرًا من الكتب واللقاءات والمقالات والحوارات والصور والأمسيات وغير ذلك وهو تحت عنوان « الموقع الرسمي للشاعر أيمن أبو الشعر» ويجري العمل على الاستزادة بين حين وآخر.
ماذا تود أن تقول في نهاية حوارنا ولك جزيل الشكر؟
الآن أفهم بعمق عبارة بابلو نيرودا «أشهد أني عشت» أستطيع القول إنني بت مقتنعاً مئة بالمئة أن الحياة موقف، وهي صراع دائم، بل لا تكون الحياة حياة دون صراع، الصراع هو حركة الواقع، وعلى المرء أن يختار أين يكون مع الظالم أم مع المظلوم، طبعاً الواقع يفرز الناس طبقيًا، ولكني أتحدث عن كنه أعمق، فكثير من المظلومين يقفون للأسف دون أن يدروا مع الظالمين نتيجة غياب الوعي! بالنسبة لي أشهد أني عشت الحياة نضالاً رائعاً جميلًا بهيًا صادقاً حتى «نخاعي الشوكي»، وكامن بهجتي لا توصف حين كنت أزور القرى والبلدات وأغني للفقراء وأشعر أنهم تأثروا واستفادوا وبدؤوا يصارعون واقعهم في سبيل غد أفضل، كانت سعادتي لا توصف وأنا أربط بيدي الحبال الرفيعة لأثبتها على الكراكر وعلب كانت سعادتي لا توصف وأنا أربط بيدي الحبال الرفيعة لأثبتها على الكراكر وعلب السمن الفارغة التي وضعت فيها الإضاءة حين كنا نقدم بعض المسرحيات التي كتبتها في تلك الفترة، كنا نقدمها في غرفة في بيت الأشرفية الذي كنت أسكنه في حلب… أشهد أنني عشت لأنني شعرت بمدى حب الناس عندما تعرضت لمحاولة اعتداء وكانت طوابيرهم تناوب للمرور إلى المشفى، أشهد أنني عشت لأن ثمرة نضالي وما أكتبه للناس جعلني أحتاج إلى ربع ساعة للوصول إلى الميكرفون حيث القاعة الضخمة مكتظة بمحبي الشعر حتى على المسرح… أشهد أنني عشت لأن الكثير من الناس يعتبرونني ابن مدينتهم حتى أن محمود درويش الذي كان أول من زارني بعد محاولة الاعتداء قال لي كلنا كنا نعتقد أنك فلسطيني، وكثير من الناس يعتقد أنني ابن حلب أو حماة أو حمص التي عشت فيها ردحاً من الزمن وكتبت فيها أجمل قصائدي… أصافحكم جميعاً بحرارة.
                    

العدد 1177 – 6 -2 -2024       

آخر الأخبار
تبديل العملة بين الإصلاح النقدي ومخاطر الدولرة "زووم " تعيد وصل سوريا بالعالم بعد عزلة رقمية رسالة الحق للعالم الشرع في موسكو.. تصحيح لجوهر العلاقات وتثبيت لسياسة التوازنات حملات التشجير .. استعادة الحياة الخضراء بعد سنوات الحرب والحرائق الأسعار في ارتفاع.. والأمهات السوريات يستغِثْنَ إصدار نقدي جديد يكرّس حق المكفوفين.. خطوة نقدية تعزز الشمول والمساواة فوز جديد للإسبان والأتراك لايلز وليفرون مرشحان لجوائز الاتحاد الدولي لألعاب القوى كريستيانو الخالد يصنع المستحيل.. (41) هدفاً في تصفيات كأس العالم مدرسة "بالا" بالغوطة.. تشكو نقص المقاعد الحقيبة المدرسية.. معاناة تتكرر كيف نخفف من ثقلها؟ الرئيس الشرع يزور موسكو لبحث التعاون الاستراتيجي بين سوريا وروسيا "عملية نقل الأرض".. تحقيق يكشف خطة لإخفاء آلاف الجثث في صحراء الضمير "الانشقاق" وهم يهدد جدران الذاكرة بين الخير والشر.. تأثير البيئة الاجتماعية على قراراتنا رائد مظلوم ..من شهادة الهندسة إلى صانع محتوى "مقلي الفخار" مهنة تحمل روح الطبيعة "لبنى بي" عالم من الشغف مليء بالألوان "خزان المصطبة".. عشر سنوات من الانتظار ومع التجريب بدأ التسريب!