ونحن نضع أسئلة لمستقبلنا، وتساؤلات عما يمكن أن يعترض الطريق، أو يمهدها لنا في عالم سريع التغيّر، بل ويزداد سرعةً، وتعقيداً وهو يواجه التحديات التي تحدث على مختلف الصعد الاجتماعية، والاقتصادية، والبيئية، والصحية، وغيرها كثير.. عندئذ يصبح التخطيط الاستباقي لهذا المستقبل هو المفتاح للإجابة عن تلك الأسئلة الحاضرة الغائبة، وهي تأتي بصيغ مختلفة: ماذا لو؟ متى وأين؟ هل يمكن؟ هل هو مستحيل؟ وغير ذلك..
خطوة مهمة ألا وهي التخطيط للمستقبل لابد من الالتفات إليها في سبيل النجاح، ولتجنب المتغيرات السلبية المحتملة التي تطرأ وتصبح عقبات، ومعيقات تهدم الآمال، والأحلام سواء على مستوى الأفراد، أم المؤسسات، أم حتى الدول. وهذا ما يستدعي بدوره تفكيراً من نوع مختلف يمكن تسميته التفكير الاستباقي، ويمكن تعريفه بتوقع أحداثٍ، أو التنبؤ بمتغيراتٍ محتملة، ومن ثم تحليل اتجاهاتها في حال حدوثها لفهم تأثيراتها المستقبلية، وتقديرها.
ومادام المستقبل ليس ثابتاً، وقابلاً للتغيير لأن الحياة ذاتها مملوءة بالمتغيرات، فإنه بالتالي يتطلب استعداداً للتكيف معه، والتغلب على آثاره السلبية حال وقوعها، والتقليل من مخاطرها، أو تفاديها من أساسها قبل حدوثها إن أمكن بخطوات استباقية.
قد يكون التغيّر مخيفاً أحياناً، ولكن من المهم القبول به، والاعتراف بأنه جزء طبيعي من الحياة قد يأتي بفرصٍ جديدة، أو فوائد غير متوقعة، بل يمكن تحويله إلى فرص للنمو، والتطور الشخصي، والمجتمعي.
ومن أهم الأدوات الرئيسية للتفكير الاستباقي هو سيناريو (التخيّل) الذي يسعف بوضع مجموعة من السيناريوهات المحتملة لما يمكن أن يقع، ويسمح بتكوين صورة أوضح لما قد يخبئه المستقبل بناءً على مختلف العوامل، والمتغيرات. وبعد ذلك يتم استخدام هذه السيناريوهات لاكتشاف الاحتمالات القائمة، وتوضيح الخيارات المتاحة، وتحديد الاستجابات المناسبة لما هو محتمل.
إلا أن سيناريو (التخيّل) هذا يحتاج إلى مقوماته التي تبدأ بالمعرفة أي الثقافة، والاطلاع، والدراية بالشيء، وهي التي ترسم أفقاً للتفكير السليم، ومساراً لتطويرٍ مستمرٍ للذات. وما إن تبدأ الخطوات بتحديد الأهداف قريبة الأجل منها، والبعيدة بعد تقييم نقاط الضعف، والقوة على حد سواء للواقع القائم، وما يمكن أن يتاح له من فرص، حتى تبدأ أولى خطوط هذا السيناريو بالاتضاح، ويتبعها تطوير المهارات، والاستثمار فيها، أو اكتساب مهارات جديدة، وإلى جانبها التنظيم والإدارة العاقلة المتوازنة للوقت، والمال، والموارد، والفرص الطارئة، وبناء علاقات جيدة مع الآخرين في المجال ذاته من ذوي الاهتمامات المشتركة، والاستمرار في اكتساب المعرفة الجديدة، وتطوير النفس، وتحمل المسؤولية، واتخاذ القرارات الصعبة إذا ما استدعتها الظروف، وبالتالي تحديث الأهداف حسب الأجواء، والمتغيرات التي تأتي من تلقائها للمضي في الاتجاه الصحيح.. إلا أن تحقيق ذلك كله يتطلب مرونة كافية تجعل من تغيير الخطة، أو تعديلها أمراً ممكناً إذا ما لزم الأمر تبعاً للظروف القائمة.
فإذا كانت الدول تعقد مجالس مستقبل عالمية بتعاون دولي مشترك تتبادل فيها المعلومات، وتفتح خصوصية البيانات للحؤول دون مشكلات قد تطرأ فما بالنا بالأفراد في التخطيط السليم لما هو آتٍ.. إنها عملية على قدر من الأهمية في اتخاذ القرارات الصحيحة، وتجنب الأخطاء المحتملة.
قد تكون العقبات فرصاً للنمو، والتطور الشخصي.. وما التخطيط للمستقبل، والمضي في تحقيق أهدافه سوى رحلة كما رحلة الحياة، وعلينا الاستمتاع بها، والاحتفاء أثنائها بكل الإنجازات صغيرة كانت أم كبيرة، وعلى طول الطريق. وكمن يقطع تذكرة للسفر بعيداً بغاية الترفيه، والاستجمام عليه أن يتذكر أن مسافة الطريق للوصول إلى المكان الهدف إنما هي جزء من متعة الرحلة.