المشاريع الصغيرة تبدو في هذه الأيام كمركب صيدٍ جميلٍ وبارعٍ في قدرته على إغاصة شباكه في الأعماق واستحضارالكثير من أصناف الأسماك وأنواعٍ عديدة من ثمار البحر التي لاتزالُ تتراقص وتلهو تحت المياه بلا خوف ولا وجل، فلا مراكب تجوب عليها .. ولا شباك تتلقفها، فيما ( يتحرقص ) رواد أعمال المركب الجميل – الذين يطمحون بالصعود عليه وبدء عمليات الصيد – من طول رسوّه على الشاطئ وهم يتفرّجون على تلك الثمار والأسماك تحوم حوله تارةً .. وتبتعد تارة أخرى تُلوّح لهم من بعيد، وكيف تفوت عليهم فرص اقتناصها، وتضيع عليهم أرباحاً محققة وفوائد جمّة ليست لهم فقط ،وإنما للدولة وللمجتمع أيضاً، وها هو المركب أمامهم ينتظر من يمتطيه ويُدير محركاته ليمخر عباب المياه وليبدأ الصيد بعدها والتقاط الثمار.. والسؤال العريض : ها هو البحر .. وها هي أسماكه وثماره .. وها هو المركب والصيادون .. فلماذا لا نبدأ الصيد ..؟!
وعود كثيرة سمعناها عن دعم هذا المركب وتوسيع قاعدته ليكون أكثر قدرة على الفلاح وتحصيل الغنائم، ولكن كلها كانت بلا فائدة فالمركب راسٍ بلا حراك ونحن نرفع الصوت ونُذكّر بأهمية تحريكه وكيف أن دولاً كثيرة من العالم أطلقت مركبها وها هي تصطاد وتنتعش، ونستغرب لماذا يحلو لنا هذا الرسوّ في وقتٍ نتضور فيه من الجوع والحرمان ..؟!
وزير الاقتصاد تصدّى لهذه المسألة منذ أيام كاشفاً القناع بجرأة وموضوعية عن سبب هذا الرسوّ المزمن مشيراً بصدقٍ ووضوح إلى خللٍ كبير أعطب المركب، وأن السياسات والعمل الحكومي بشأنه لم تكن قبل اليوم أكثر من ( عملٍ معنوي ) أمام ما يعتريه من عوائق ومشكلات، تتعلق بالسياسات والتخطيط والتنفيذ، فهناك 20 جهة معنية بالتخطيط في قطاع الاستثمار والمشروعات الصغيرة والمتوسطة و27 جهة معنية بالتنظيم و44 جهة معنية بالتنفيذ، وهناك هيئات تقوم بمهام مكررة أو مشابهة لمهام موجودة في جهة أخرى ما يعني الازدواجية والتكرار، والدوران في حلقة مفرغة، ومن هنا يمكن أن ندرك حجم الفوضى بإدارة هذا القطاع، واعداً بأن المرحلة المقبلة ستشهد توحيد الجهات وتحديد المهام بشكل واضح من خلال بنى تنظيمية جديدة، ولذلك بات قطاع الاستثمار والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر يحتاج إلى الاهتمام والتركيز وخاصة في هذه الظروف، فقطاع المشروعات الصغيرة هو حامل رئيسي للاقتصاد في سورية كغالبية دول العالم، وهو مرتبط بدور اجتماعي مهم ويعول عليه الكثير، ويجب أن يحظى – يقول الوزير – بالمزيد من العمل والجهد ليكون له أثر فعلي ملموس على أرض الواقع، ولكن لابدّ من سياسة استثمارية واحدة يكون فيها تفرعات ولكلّ منها تسهيلات ومزايا وإعفاءات وحوافز.
هذا هو واقع المركب الجميل إذاً، ويبدو أن جماله غير كافٍ، فلا بدّ من ضمان براعته في الصيد عبر صيانته أولاً وإصلاحه والاطمئنان على سلامته قبل إطلاقه، وقد بدأت ورش الإصلاح فعلياً وأنجزت الكثير من الأعمال الهيكلية العميقة التي لمسنا – عبر لقاءِ جمعنا مع الوزير وقسم من فريقٍ مدهش – الكثير من ملامحها وخطوطها العريضة بل وتفاصيلها التي ستضع رواد الأعمال أمام بيئة أعمالٍ جاذبة، ليس على صعيد التنظيم والإدارة الكابحة لتلك الفوضى والدوران في الدارات المفرغة، وإنما على صعيد التمويل أيضاً والمزيد من التسهيلات والمحفزات، وإيجاد المعابر الآمنة لتحريك المركب الراسي بقوة وبراعة.