لا يمكن اعتبارها مزاجًا شرقيًا أو محاولة لإعادة إحياء التراث الشعبي القديم .. فقد أصبح الجميع يلحظ التراجع الكبير لمقاهي المثقفين في دمشق القديمة فلم يبق من تلك المقاهي التي كان عددها يصل إلى الألف مقهى سوى ثلاثة أو أربعة، يمكن وصفها بأنها مقاهٍ ذات معنى وهدف بما تشكله من مكان يلتقي فيه المفكرون والأدباء والفنانون، وتدور الحوارات والنقاشات حول العلم والثقافة والسياسة والاقتصاد وغيرها.
تراجعٌ كبيرٌ لهذه الظاهرة الثقافية خلال السنوات العشر الأخيرة .. وتحولٌ كبير لمضمون وجود تلك المقاهي التي أصبحت أماكن للعب الورق وطاولة الزهر والنرجيلة، أما روادها فليسوا من شريحة المفكرين ومحبي الشعر والقراءة، وإنما من محبي نقل الأخبار والشائعات ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على أنغام الموسيقا الصاخبة، وتقديم فن الرقص والأغاني الهابطة والسهر إلى منتصف الليل وغيرها مما يسمونه جيل الحداثة.
خلف هذا العرض الموجز.. هناك مشكلة كبيرة تحيط بدمشق القديمة وخاصة منطقة باب توما التي تحولت غالبية بيوتها إلى مقاهٍ ومطاعم وبارات تقدم خدماتها على الطراز الحديث من نرجيلة وأغان وموسيقا صاخبة أشبه ما تكون ملاهي ليلية مُصغرة، يضجر منها من بقي من سكان تلك المنطقة في منازلهم، ويشتكون باستمرار دون أن يجدوا آذانًا صاغية لشكواهم.
لم تعد حارات باب توما مكانًا تراثيًا محميًا .. لا على المستوى المحلي أو العالمي، بل تحولت وبفعل التراخيص العشوائية التي تُقدم من المحافظة أو من جهات أخرى إلى سلسلة من المطاعم والمحال لتقديم الوجبات السريعة وسط ضجيج يستمر حتى أوقات متأخرة من الليل وما يرافقه من تلوث للمكان سواء بالدخان أو بقايا الأطعمة، إضافة لتغيير الملامح الأساسية للبيوت والحارات بهدف تحويلها إلى أماكن تتناسب مع الأهداف التجارية لأصحاب المطاعم والمستثمرين.
السابق
التالي