الثورة – لينا إسماعيل:
في دمشق ولد التاريخ، فكانت أقدم عاصمة مأهولة على وجه الأرض عراقة، ونبض حياة لم ينقطع منذ الأزل.
يروي المؤرخون أن لدمشق الفيحاء عشرة أبواب، وأنها كانت مدينة منظمة بأبنيتها وشوارعها المتعامدة، يحيط بها سور حماية تتخلله تلك الأبواب، حيث كانت تزيد وتنقص بحسب الضرورات الحربية، ولم تتجاوز أبواب دمشق العشرة على مر الزمان، وقد بني سور دمشق من قبل اليونان بداية، وليس كما تداولت كتابات عدد من الباحثين أنه بني في عهد الرومان.
ويقول المؤرخ حسن البدري في كتابه (نزهة الإمام في محاسن الشام) إن لأبواب دمشق علاقة بالكواكب، لذلك وضعت صورة الكواكب على هذه الأبواب، حيث وضع رسم الشمس على باب شرقي والزهرة على باب توما، ورسم زحل على باب كيسان والقمر على باب الجنيق، ورسم المشتري على باب الجابية وعطارد على باب الفراديس، في حين وضع رسم المريخ على الباب الصغير.
أما أشهر هذه الأبواب فهو باب شرقي الذي يقع في الجهة الشرقية من سور مدينة دمشق، وينتهي عند الشارع المستقيم الواصل بينه وبين باب الجابية، وقد بني أوائل القرن الثالث ميلادي في العهد الروماني ونسبوه إلى إله الشمس، في حين تم تجديده في عهد السلطان العثماني نور الدين زنكي عام 1163م كما تم تجديد بناء المئذنة في عهد السلطان العثماني مراد الثالث عام 1582م ، ويبلغ ارتفاع باب شرقي 11 مترًا وعرضه 6 أمتار ونصف.
من باب شرقي دخل القائد خالد بن الوليد إلى دمشق عند الفتوحات الإسلامية، ودخل منه قائد الجيش العباسي عبد الله بن علي عند قدومه لاحتلال دمشق عام 132 هجري وارتكب المجازر فيها، ومنه دخل الملك العادل نور الدين الزنكي عام 549 هجري / 1154ميلادي وانتصر على السلاجقة.
وتوجد داخل باب شرقي كتابات مشوهة تؤرخ عام 559 هجري وتذكر اسم الباني نور الدين زنكي.
الجدير بالذكر أنه في دراسة نادرة للأب الباحث أيوب سميا عام 1958 ينفي فيها أن يكون الاسم باب شرقي صحيحاً، مفسراً ذلك بأن كتبة دمشق المتأخرين من المؤرخين والصحفيين وموظفي الحكومة في السجلات الرسمية يكتبون الاسم من دون (ال) التعريف وهذا الاسم بحالتي التعريف والتنكير يعنون به الجهة أي الباب الذي إلى جهة الشرق، ومن حيث اللغة إن هذا الاستعمال المنكر هو من تراث الأتراك العثمانيين في بلادنا، فإذا كان الكتبة العرب الحاليون يقصدون بالاسم الجهة، فالأصح أن يكتبوه معرفًا بالباب الشرقي.
ثم من حيث المعنى نرى أن قصد الجهة خطأ واضح دافعه جهل الأصل، لأن هذا القصد لو كان المتأخرون أخذوه عن المتقدمين هكذا لكان يتوجب على المتقدمين أن يسموا غيره من أبواب المدينة باسم الجهة كالباب الغربي لباب الجابية، والباب الجنوبي والشمالي، ولكن لم يسبق للقدماء هذا القصد لا في دمشق ولا غيرها.
فإذاً هذا الاسم الحالي معرفاً أو منكراً ما هو إلا تسلسل مغلوط من أصل صحيح وهذا الأصل هو (باب الشرقية)، ويشير الأب سميا إلى أن أصل الباب يوناني وليس رومانياً حيث يقال إن الباب جدد فقط في عهد الإمبراطور الروماني سبتيموس سيفيروس.
(والشرقية) أو (أناطولي) في اليونانية هي مدينة من وضع اليونان الجاهليين الذين كانوا يجهلون عبادة الله تعالى، وكانوا يعبدون الشمس على شاطئ القسم الشمالي من البحيرة التي يصب فيها فرعا نهر بردى (بحيرة العتيبة) وسكان مدينة الشرقية اليونان النصارى أسلموا وتعربوا فعربوا اسم مدينتهم (أناطولي) إلى الشرقية، وأخذ الباب اسمه من اسم هذه المدينة.
وقد ورد بالفعل ذكر اسم مدينة الشرقية (اناطولي) في التاريخ الكنائسي اليوناني لمؤلفه (ذكا باتريس) القسطنطيني عام 911م، وقد ذكر المؤرخ الشهير ابن عساكر أنه شاهد نقشاً نافراً في الحجر على صورة قرص الشمس على الباب، تنبعث منه أشعة النور ويعود رسمه للعصر اليوناني.
لقد احتضنت دمشق أعتق العهود والحضارات فكانت الأقدم والأرسخ في التاريخ، و ما زالت تبوح لنا بأسرار جديدة تحكي قصة عراقتها الخالدة.