فؤاد مسعد
قدرة الممثل على إعطاء الإحساس ونقيضه في اللحظة نفسها، أمر ليس من السهل الوصول إليه، ويحتاج إلى مستوى عالٍ من الأداء والكثير من البحث في تاريخ الشخصية وظروفها وعوالمها الداخلية وتركيبتها النفسية، وحتى شكلها الخارجي وانعكاسه على الداخلي لديها، سعياً للخروج بصيغة مُقنعة لأفعالها وتحقيق التأثير المطلوب عند المتلقي. وربما هنا يكمن مفاتيح شخصية “سكر” التي جسدتها الفنانة المبدعة سلافة معمار في مسلسل “ولاد بديعة” إخراج رشا شربتجي وتأليف علي وجيه ويامن الحجلي.
“الإحساس ونقيضه” يُعتبر الأصعب في الأداء، كحال شخصية تعيش شعور الغضب العارم، وما أن تدير ظهرها وتقفل الباب خلفها حتى تُظهِر كمية الضعف الداخلي والهشاشة التي تعاني منها، وفي حالة أخرى حين تكون في قمة الغليان والحنق ولكنها تبتسم غير مبالية مرتدية قناع البراءة والطيبة.. كلها حالات لعبتها الفنانة سلافة بحرفية عالية وإتقان، وأعطتها حقها وفقاً لمتطلبات الدور، ساعية إلى التلون في تقديم شخصية مركبة تعجّ بالصراعات.
سكر “بنت الدباغات” شخصية شعبية تحمل في داخلها كمية كبيرة من الشراسة لكن قلبها طيب، هكذا ظهرت من خلال عدة مواقف خاصة مع زوجها، الذي سرعان ما سامحته على سرقته لها، وتعاطيها مع أخيها شاهين الذي يعايرها بشرفها، كما أن فيها شيء من الإغراء، فهي راقصة وتدير “نادي ليلي”، وعلى الرغم من أنها بدت “بنت الحياة” إلا أن ظرفها هو من رسم لها مسارها وطريق تعاطيها مع الواقع.
مفردات كلامها التي تصل حد الوقاحة بفجاجتها، ونبرة صوتها وحدته في العديد من المشاهد، طريقة حركتها وحتى شكلها الخارجي بما في ذلك المكياج والشعر وحضور اللون الذهبي ومشتقاته بقوة في ملابسها.. كلها تفاصيل تم الشغل عليها بعناية لتخرج كامرأة نابعة من القاع، تُشعرِك أنها في حالة بحث دائم عن الأمان والحب والولد، باحثة عن نفسها وانتمائها وجذورها التي لا تعرف عنها شيئاً.
تقول في حوارها مع والدتها في مشهد “الحلم” ضمن الحلقة الثالثة “تربيت بين الجلود والدباغات والحناش يلي عم تاكل بعضها، لا معروف لي أب، والأم سارحة بغير ملكوت”، هي كلمات قليلة تختصر سيرة امرأة تعيش مرارة تمزقها الداخلي، وتُبرِز قدرة ممثلة استطاعت تقديم المختلف وكسر النمطي في الأداء، عبر شخصية تحمل الكثير من المفاجأت في القادم من الحلقات.
التالي