الثورة _ فؤاد مسعد:
منذ انطلاقته الأولى توسّم به المخرجون خيراً، وفي أكثر من مناسبة كان يُقال “مستقبلاً باهراً ينتظره”، وبالفعل مرة تلو الأخرى كان على قدر التحدي، وفي كل تجربة هناك شخصية مغايرة ومفردات خاصة وتمايز يجعله يغرّد خارج السرب، مثبتاً مكانته وقدرته العالية على فهم الشخصية والإحاطة بها ودراستها وتفكيكها والبحث في تاريخها وظروفها لتخرج مُشبعة حد الإقناع.
إنه الفنان محمود نصر الذي يجسد ضمن الموسم الدرامي الحالي دور “مختار عارف الدباغ” في مسلسل “ولاد بديعة” إخراج رشا شربتجي وتأليف علي وجيه ويامن الحجلي.. الشخصية التي تحمل اختلافها عبر خطها الدرامي ومفرداتها الخاصة.
وسعى “نصر” منذ المشهد الأول إلى وضع المشاهد في أجوائها وعوالمها وما تكتنز به من تفرد وغنى، مترجماً حالتها النفسية والإنسانية، مظهراً سماتها بالتدريج وفقاً للحدث والحالة الدرامية المطلوبة، بإحساس عالٍ وحرفية أداء لكل حالة من حالاتها المتقلبة.
يعاني “مختار” من حالة مرضية على الصعيدين النفسي والجسدي، فبسبب ضرب إخوته له يصاب بالعجر وعدم قدرته على الإنجاب كما يصاب بـ “اضطراب ذهالي”، مما ينعكس على أفعاله في الكثير من الأحيان، عبر حركة الجسد والأعين غير المستقرة وكأنها مشوشة، والوجه المضطرب، وتحريك يده ليبعد عنه الأوهام والأصوات والهلوسات السمعية أو الحسية التي يشعر بها المربض في هذه الحالة، والتي تصل أحياناً إلى تصرفات غير منطقية.
عديدة هي المشاهد التي حملت زخماً في الأداء وتطلبت الخروج إلى أفق مختلف يُظهر تركيبة الشخصية على المستويين الداخلي والخارجي للوصول إلى الحالة المطلوبة، ومن تلك المشاهد على سبيل المثال، مشهد إبراحه ضرباً مؤذياً من قبل إخوته ومشهد رقصته على أغنية “وسع وسع” ليثير عصبية سكر “الحلقة 9″، مشهد إخوته وهم يقولون له إنهم عرفوا حقيقة مرضه “الحلقة 10” .
المُتابع لمسار الدور وما يطرأ عليه من تحولات يُدرك كيف يمكن للممثل أن يتغلغل داخل مسام الشخصية إلى حد يستطيع فيه تقديمها من لحم ودم عاكساً طريقة الاشتغال عليها بدقة، وهنا تتجلى المتعة في الأداء التي تدفعه للذهاب إلى أبعد ما يستطيع مُحلقاً فيما يُقدم.