الملحق الثقافي-رنا بدري سلوم:
«الكتابة عند حنّا مينا اللّذة الكُبرى والرّذيلة الكُبرى، ولا خلاص منهما إلا بالموت»، رحل شيخ الرّواية العربية بعد أن تلذّذ بالكتابة، فترك مصابيحه الروائيّة مضاءة بيننا، تصف بشريّتنا، نصف الوحش ونصف الإنسان القابع فينا كما في روايته «الياطر»، فبدأ من فتى الميناء الذي يبحث عن لقمة العيش، حتى انتهى به المطاف إلى كاتب مخضرم ينسج أسرار البحر حكايات تزيّن الأدب العربي الحديث، ولاسيما أنه ابن البحر، فكتب بعمق ما عاشه بعمق من معاناة وألم ومخاطر، فكما قال في أحد لقاءاته «حدّقت بالموت مراراً وبعيون باردة، فلا نستطيع أن نكتب عن شيء لا نعرفه، وبالتالي خلاصة تجربته في حياته أن «لا نخاف الحياة».
لم يفكّر حنّا مينا يوماً أن يكون كاتباً، الكاتب له مقومات وفقاً له، فلعب الحظ لعبته، موظفاً المهن التي امتهنها في رواياته فأبدع حد التفرّد، كان صوت الفقراء والمساكين مُظهراً في قصصه الصّراع الطبقي والظّواهر الاجتماعية في قاع المدينة كالاستغلال والجشع واضطهاد المرأة وغيرها من القضايا الإنسانيّة باسلوب سردي شيّق يحمل الكثيرمن الواقعية، إضافة إلى وصفه بيئة البحّارة واصطياد الحيتان ومغامرات القراصنة ورحلات المكتشفين والتّجار وغيرها الكثير، فكان البحر مصدر إلهام الغائب الحاضر حنّا مينا، حتى إن معظم أعماله كانت مبلّلة بمياه موجه الصاخب الذي فتح الطّريق للكثير من الكتّاب الجّدد الإبحار في أدب البحر الشّيّق والممتع والذي رسّخه مينا في ذاكرة الأدب العربي .
العدد 1183 – 26 -3 -2024