كتب المحرر السياسي ناصر منذر:
يشكل يوم الأرض الذي يحيي الشعب الفلسطيني ذكراه الثامنة والأربعين اليوم، امتداداً لتاريخ النضالي الفلسطيني، الذي ما زال يقدم التضحيات الجسام في سبيل التمسك بتراب وطنه، ودحر الاحتلال الغاصب عن كل شبر من أرضه المقدسة.
يأتي يوم الأرض هذا العام على وقع العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، والذي راح ضحيته حتى الآن أكثر من ثلاثين ألف شهيد معظمهم من الأطفال والنساء، فضلا عن عمليات التهجير القسرية التي ينفذها الاحتلال ضمن مخططه الرامي لسلب المزيد من أراضي الفلسطينيين، كما حدث في نكبة عام 1948، الأمر الذي يتصدى له الفلسطينيون بكل شجاعة وإقدام، رغم مجازر الإبادة الجماعية التي يرتكبها الكيان الصهيوني، بدعم متواصل من الإدارة الأميركية، الشريكة حتى العظم في ارتكاب تلك المجازر، من خلال إرسال المزيد من الأسلحة الفتاكة للعدو، والتستر على جرائمه أمام المحافل الدولية، ومنع مجلس الأمن الدولي من إصدار قرار يلزم الاحتلال بوقف عدوانه فورا.
اليوم وبعد 48 عاماً على هبة يوم الأرض تتصاعد جرائم الاحتلال وعنصريته وترتفع حمى مصادرة الأراضي وتوسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة فضلاً عن المحاولات المستمرة لفرض واقع جديد فيما يخص أوضاع المقدسات في القدس المحتلة في إطار المخطط التهويدي المتواصل والذي يستهدف محو الوجود الفلسطيني وتغييب القضية الفلسطينية.
وتعود أحداث يوم الأرض إلى ما شهدته الأراضي الفلسطينية المحتلة من هبة شعبية عارمة أواخر آذار عام 1976 حيث أعلن الإضراب الشامل في مختلف المدن والقرى الفلسطينية بعد أن أقرت سلطات الاحتلال الإسرائيلي مخططاً لمصادرة آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية ذات الملكية الخاصة تحت غطاء مخطط تهويدي أطلق عليه اسم «مشروع تطوير الجليل».
وفور إطلاق المخطط صادرت سلطات الاحتلال 21 ألف دونم من أراضي قرى عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعد وطرعان وغيرها في منطقة الجليل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 الأمر الذي أشعل موجة من المظاهرات العارمة في الثلاثين من آذار عام 1976 شملت مختلف القرى والمدن الفلسطينية والتي واجهتها قوات الاحتلال بالقمع والرصاص الحي ما أدى إلى استشهاد عدد من الفلسطينيين وجرح واعتقال مئات آخرين من الشبان والرجال.
وحتى اليوم، لا يزال الكيان الصهيوني يرتكب المزيد من المجازر الوحشية بحق الفلسطينيين على كامل الأراضي المحتلة، وهي استكمال لسلسلة المجازر التي ارتكبها منذ إنشائه قبل نحو 76 عاما والتي يستحيل على الذاكرة الفلسطينية أو العربية نسيانها أو تجاهلها، والتي يضيف إليها مجازر تفوق حدود التصور البشري بحق أطفال ونساء قطاع غزة المنكوب.
وعلى الرغم من كل هذه الظروف الصعبة وكل ما يحاك من مؤامرات ومخططات تدميرية وتخريبية ضد القضية الفلسطينية والمقاومة في المنطقة، لا يزال الفلسطينيون متمسكين بخيارهم المقاوم، ويحيون هذه الذكرى انطلاقا من رمزيتها التي تشكل حافزا لاستمرار النضال الفلسطيني بكل أشكاله لاستعادة الأرض والحقوق، فهذا اليوم سيبقى رمزا يجدد فيه الفلسطينيون تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية، وهم أكثر إيمانا وتصميما على تحرير أرضهم، واستعادة حقوقهم.