كتب المحرر السياسي ناصر منذر:
قبل 77 عاماً، جاءت انطلاقة حزب البعث العربي الاشتراكي، بصورة رسمية بعد عقد مؤتمره الأول في دمشق في السابع من نيسان عام 1947، لتبشر بميلاد عهد جديد سرعان ما انتشر في بعض البلدان العربية سعياً إلى خلق جيل عربي جديد مؤمن بوحدة أمته.
واليوم، تحمل ذكرى التأسيس معاني ودلالات تؤكد أن إرادة السوريين لا يمكن أن ترضخ أو تساوم أو تتنازل أو تفرط بذرة من التراب الوطني والقومي على امتداد الساحة العربية، أو أن تتخلى بالتالي عن حق مغتصب، إذ يجدد السوريون باستمرار تأكيدهم على مواصلة النضال حتى طرد كل غاز محتل، وتحرير كل شبر أرض ما زال تحت سيطرة الإرهابيين وداعميهم في الغرب المتصهين، بقيادة الولايات المتحدة.
فمنذ تأسيسه تصدى حزب البعث للحركة الصهيونية وللغزو الصهيوني لفلسطين وأسهم في مساندة ودعم صمود ومقاومة الشعب العربي الفلسطيني وتكرست مبادئه العظيمة في سياسة سورية العروبة نهجاً قومياً متميزاً بعد ثورة الثامن من آذار، وترسخت أكثر بعد الحركة التصحيحية المجيدة، حيث نالت سورية مكانتها القومية المشرفة نتيجة دفاعها عن حقوق الأمة العربية وتفردت بدعمها للمقاومة العربية.
كما استطاع الحزب في ظل المتغيرات الدولية والضغوطات الاستعمارية التي تعصف بالمنطقة وبما يمتلك من تجربة نضالية طويلة نابعة من إدراكه العميق لحقائق الصراع والتغيير في هذه المنطقة أن يتبنى نهجاً يقوم على التجدد مع استمرارية الحفاظ على الثوابت الوطنية والقومية، وقد نجح في التعامل مع المتغيرات لأنه يمتلك بنية فكرية عقائدية قادرة على التجديد والتطوير.
وقد أسهم حزب البعث بشكل كبير وفاعل في بناء الإنسان العربي الملتزم بقضايا أمته والقادر على العطاء والإبداع في ميادين العمل كافة وآمن بالقومية العربية كمشروع إنساني تتحقق عبره نهضة هذه الأمة في كل مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وآمن أن التلاحم الوطني ضرورة حتمية اجتماعية لفرض الوئام والانسجام الأهلي بين مكونات ومفاصل النسيج الاجتماعي للمجتمع العربي، كما أنه ضرورة حتمية من ضرورات بناء المواطنة التي لا يقع في حساباتها التنوع أو الاختلاف.
كما شكل حزب البعث بقيمه الخالدة ومبادئه القومية الراسخة قوة حقيقية للأمة العربية، تستند إلى إرادة الجماهير الكادحة وحريتها وتمسكها بوحدتها وبرسالتها الخالدة ومكانتها الحضارية المتميزة بين شعوب الأرض، فخاض منذ تأسيسه مع الشعب السوري جميع المعارك، حيث انتصرت سورية باستمرار وأضحت عنواناً للدفاع المستميت عن الاستقلال الحقيقي وحرية القرار والخيار، وبنى تقاليده النضالية في إطار التقاليد الكفاحية للشعب وأبناء الأمة العربية جمعاء، وكان المعيار الشعبي هو الذي يحدد توجهات الحزب وأولوياته في كل مرحلة.
السوريون أثبتوا اليوم، قدرة بالغة على مواجهة قوى العدوان، بتآخيهم وتعاضدهم وعمق ثقافتهم، وامتلاكهم القدرة على التصدي للمؤامرات ورفضها بكل أشكالها، وكما نجح حزب البعث في الماضي في مواجهة وإسقاط الأحلاف المعادية، هو أكثر قدرة وتصميماً اليوم على تجاوز المحن ومواجهة التحديات مهما تعاظمت.