نزيف واضح ومستمر يعاني منه القطاع العام في موارده البشرية وكفاءاته، لدرجة بات من المحتمل بالنسبة لهذا القطاع التعاقد أو استيراد الكفاءات لتسيير أموره في حال أراد النهوض بنفسه او تطوير ذاته.. والأمر واضح جليّ للجميع.
في كل القطاعات والشرائح المهنية من اليدوية والفكرية والعلمية والأدبية والكتابية والطبية، تجتاح مفاصل القطاع العام موجات من الاستقالات وطلبات الاستيداع بغرض التفرّغ لأعمال عدة تسمح بالحصول على دخل يؤمن المعيشة، او للسفر خارج البلاد بحثا عن دخل مقبول يقيهم غائلة الجوع والمرض.
الفكرة هنا أن النزيف مستمر ولا يتوقف بل ويزداد إن جاز القول، وما من أفق واضح او حتى ضبابي عن الحد الذي يمكن أن يتوقف عنده الأمر، في وقت لا خطة لدى مؤسساتنا المعنية لتمكين أي قطاع مهني أو وظيفة وما من تحرّك ينبئ بتقويم وضع العاملين فكريا او يدويا ومن كل القطاعات العام منها والخاص والمشترك وسواها.
الصناعة لديها مشاكلها والإنتاج لم تنفع معه جرعات الادرينالين الحكومية لمحدودية فعاليتها، والزراعة تراجعت في المحاصيل الاستراتيجية إلى المستحدثة منها على غرار الفواكه الاستوائية التي يهللون لنضج موسم منها لا يتعدّى بضعة صناديق، أي أن المشهد كله يدفع دفعا للنتيجة التي نتحدث عنها.
لا أحد يحبّذ أن نصل إلى يوم نستورد فيه الكفاءات والعقول كما كانت حال بعض الدول، ولا أحد إلا وكاره لما يحصل ويقع يوميا، ولكن الكره وعدم التحبيذ غير كافٍ ولابد له من خطوات مرافقة أولها التمكين المالي، بل التمكين الوظيفي يقبع في درجة أعلى منها، والتمكين الوظيفي ليس فقط مهارات الموظف بل آلية التعامل معه ومدى رشد الإدارة في إدارة مقدّرات المؤسسة أو الهيئة، لأن كثيرين من القطاع العام لازالوا يعملون محبة بالبلاد وخدمة لها وليس حفاظا على الراتب الهزيل.
حافظوا على ما تبقى من القطاع العام، ولا تحيلوا ما تبقى من كفاءاته الى مصير المؤسسات والمعامل والإدارات المنهارة التي لم يتبق من كثير منها إلا مدير عام وبضعة أفراد من الموظفين يقدمون الميزانية السنوية، ولا بأس بعرض جميل بألوانه في كل اجتماع لوضع الخطة.. أما الكفاءات التي هاجرت فهي تبني في بلاد أخرى والنتائج كارثية لا سمح الله بها.
التالي