الثورة – حسين صقر:
أثناء متابعتي لأحد الفيديوهات على اليوتيوب، أثار حفيظتي العنوان “صديق الكل منافق”، ما اضطرني لمتابعة الحديث حتى آخره، والخروج بخلاصة، بأن من يسيرون عكس التيار لا يقولون الحق دائماً، ومن يسيرون معه، يسكتون عن قول ذلك الحق.
والخلاصة أيضاً أن مسايرة الناس ليس نفاقاً، ولا فتح جبهات للجدل البيزنطي والنقاش العقيم جرأة في قوله، والمسائل دائماً نسبية في ذلك.
مع كل أسف من يسايرون الناس في الحديث كثر وقد تكون أنت أو أنا منهم، وقد يكون السواد الأعظم على بعد واحد في العلاقات مع الآخرين، وهذا لا يعني أن هذا أو ذاك يمارسون النفاق، ولكنهم وصلوا لمرحلة متقدمة من فهم هؤلاء الذين يعدّون من ليس معهم فهو ضدهم، وبالتالي سوف يصنعون لأنفسهم أعداء كثر، ولهذا يضطرون لأخذ الأمر من قصيره وعدم الدخول في المهاترات.
نفسهم هؤلاء لا يسكتون عن قول الحق، وإذا طلب منهم الحكم في أمر ما ينطقون الحق ولو على أنفسهم وينصبون ميزان محاسبة الذات قبل الغير، والغير مع الذات.
وهؤلاء يختلفون عمن لا يتهمون بالنفاق، بأنهم يعرفون متى يجابهون ومتى يسكتون، ولكن ليس عن الحق، بل عن بعض القضايا التي لاتسمن ولا تغني من جوع، والجدل فيها لا يؤدي لأي نتيجة حتى لو استمر النقاش فيها شهوراً.
مثل هؤلاء الأشخاص يعرفون حدودهم ومالهم وما عليهم، ويعرفون أيضاً من أكبر منهم وأدرك في مختلف القضايا، حيث لا تجربة عندهم إلا ما قل أو ندر، يدعون الفهم وهم أبعد ما يكونون عنه، وكل ظنهم أنهم أصحاب حق، وأنهم لا يسايرون، معتبرين المسايرة نفاقاً اجتماعياً، ولكن شتّان بين النفاق والمسايرة، وبينهما خط رفيع للغاية، لا يراه سوى الحكماء وذوو البصيرة والعقل.
كثيرون من الأشخاص يتهمون بعضهم بالنفاق، ولكن ذلك من أخطائهم، إذ إن المتهمين، فقط لا يتدخلون بشؤون الغير ويعرفون نواقصهم وعيوبهم، ولا يريدون التدخل، وإذا أرادوا ذلك كانوا على مسافة واحدة من الجميع، بهدف الإصلاح وإعادة المياه لمجاريها بين المتخاصمين، ويقفون على الحياد، ولا ينصبون أنفسهم مسؤولين عن الحساب والعقاب، وهم في ذلك يزيدون الطين بلّة ويجعلون الناس يكرهونهم ولا يحبذون تدخلهم في الأمور الشائكة، لأن من يريد الإصلاح يريد الخير، وإذا سلك غير ذلك فهو لا يريد إلا العكس، ويعبر عن نياته الدفينة تجاه الطرف الآخر الذي اختار هو الوقوف ضده والانحياز لجهة أخرى في طرفي الخلاف.
كثيرة هي القضايا التي زادت تعقيداً بسبب التدخل السلبي، وعدم المسايرة والإمساك بالعصا من المنتصف، والبقاء على مسافة واحدة من الأطراف المتقاتلة أو التي يحصل بينها خلافات لأسباب قد تكون كبيرة وتستحق الوقوف، أو صغيرة لا تستحق الاهتمام.
كل يوم نسمع عن قضية هنا وأخرى هناك، والمنافق هو من يوصل كلاماً غير ما يقال أمامه، ويساير في غياب طرفي النقاش، كأن يقول لكل واحد منهم على حدة بأن الحق معك، حتى لو كان على ضلال، وللآخر كذلك، بدل أن يقسو على من وقع عليه الخطأ وهو بائن.
عدم التدخل في شؤون الغير أفضل بكثير من التدخل، إلا إذا طلب منا ذلك، ولكن فيما لو تدخل أحدنا، يجب أن يعلم كيف يتدخل ومتى وماذا يفعل والهدف الذي سوف يحققه، فإذا كان الهدف نبيلاً، بالتأكيد سوف يكون على مسافة واحدة من الجميع مهما كان الأمر جائراً على أحدهما، وإلا وراء الأكمة ما وراءها.