الثورة _ فؤاد مسعد:
مرت الدراما السورية بتحديات قاسية، واستطاعت أن تكون الرقم الصعب، فاستمرت مُقاوِمةً مختلف العقبات والعوامل التي سعت إلى إضعافها، ورغم المراهنات على سحب البساط من تحت أقدامها خلال الحرب التي شنت على سورية والحصار الذي فُرض عليها، إلا أنها أثبتت حضورها ولم تُسقِطها كل الهزات القوية التي تعرضت لها، وسرعان ما تأقلمت مع الواقع في محاولة للقفز فوق المطبات وتجاوز الأزمات.
فتلك الدراما التي قارعت أهم الدرامات العربية وسبقتها في العديد من الأحيان، لا يمكن أن تفرملها الصعاب مهما كانت قاسية ومؤلمة. واليوم بعد كل المِحن التي مرت عليها، يرى كثيرون في كل عمل تقدمه ويحقق خرقاً وصدى جماهيرياً أنه «حصان طروادة»، فيسارعون إلى اعتباره المؤشر والدلالة على عودة الألق إليها، والمفارقة أنه ما إن تمر الأيام ويأتي الموسم اللاحق حتى يبرز عمل أخر ويتكرر التهليل ذاته منعشاً الآمال في النفوس.
والسؤال: هل ينحصر الهدف اليوم في عودة الألق الذي كان أم أن الهدف الحقيقي هو بناء صناعة درامية قوية واضحة الأركان تسخّر لها الإمكانيات لتكون واحدة من أهم الصناعات الوطنية، وسفيرة حقيقية للفن السوري على الشاشات العربية؟ وعندها نتحول من الأمل بـ «عودة الألق» إلى صناعة الألق. مما لا شك فيه أن ألق الدراما السورية لا ينحصر بجماهيرية يحققها عمل هنا أو عدة أعمال هناك، وربما التوصيف الأصح أن هناك أعمالاً سورية استطاعت المنافسة وتحقيق الحضور المهم على الساحة العربية، والطموح أن تشكّل هذه النجاحات إرهاصاً لمرحلة جديدة لا بد أنها قادمة، سعياً نحو دراما سورية قوية لا تهزها النوائب، خاصة أنها تمتلك الكثير من المقومات لتحقيق ذلك. فبنيان الدراما السورية متجذر بقوة وضارب في عمق الأرض، ومن أهم أركانه أنه يحمل إرثاً وتاريخاً عريقاً من عمل الرواد الكبار الذين سعوا لترسيخ بنائه بعرقهم وجهدهم وتعبهم، حفروا الصخر ليكون لدينا دراما نفخر بها، إلا أن هذا الأمر لا يلغي الانتباه إلى عدم الوقوع في فخ حماس الحديث عن «الألق» بصيغته العامة، فالألق الذي نتغنى به هو في حقيقته شعورنا تجاه دراما أحببناها وأردناها في المقدمة، وكانت في المقدمة فعلاً من خلال «أعمال درامية» مهمة قدمتها عبر مسيرة طويلة، ولكن ليس من كونها «صناعة درامية» لها تقاليدها الإنتاجية الراسخة وخططها ورؤاها المستقبلية.
لقد حصدت الدراما السورية ألقها من خلال المبدعين فيها عبر أعمال استطاعت أن تكون يوماً فيصلاً، بحيث يُقال ما قبل هذا العمل وما بعده، كأن نفرق على سبيل المثال بين حال الدراما قبل مسلسل «نهاية رجل شجاع» وحالها بعده. لأنه شكّل حينها نقطة علام، وعديدة هي الأمثلة الأخرى التي يمكن الحديث عنها هنا، واستطاعت أن تشكل علامة فارقة، من نجاحات فردية هنا وهناك، ولأشخاص امتلك عدد منهم هاجساً إبداعياً ومشروعاً ثقافياً فنياً تنويرياً حقيقياً اشتغلوا عليه بحب وشغف، هذا المشروع الذي بتنا نفتقد وجوده في الكثير مما يتم إنتاجه حالياً.
وكل الأمل أن تمتلك الدراما السورية اليوم ناصية صناعة ألقها الحقيقي وأن تبنيه على صخر متين راسخ لا يتزعزع مهما اشتدت الرياح العاتية، هو ألق أساسه المحبة وحرصنا على بعضنا البعض لأننا نتحدث هنا عن كيان متكامل هو «الدراما السورية». فالألق الحقيقي الذي نطمح إليه ينبع من حالة متشابكة ومتكاملة بين المفاهيم والقيم والتقاليد إضافة إلى القوانين والرأسمال القوي والهاجس الإبداعي والرؤية الاستراتيجية والتخطيط الدقيق، والإيمان بقدرتنا على ترسيخ حضور درامي متنوع تقف وراءه صناعة قادرة على النهوض به، تتضافر فيها الجهود كلها في القطاعين العام والخاص، وكلنا ثقة أننا قادرون على ذلك وأكثر.
السابق