الثورة – ديب علي حسن:
لن نعيد على المسامع ديباجة اعتدنا أن نذكرها دائماً عن أهمية القراءة فالكل يعرف ذلك.. بل ربما يحاضر في الأمر ويقدم الكثير من الشواهد عليه..
لكننا يجب أن نذكر أن سورية هي بلد الحرف والكتاب والمكتبات منها كانت الأبجدية، وعلى أرضها كان أول أرشيف رقمي في إبلا.
في سورية مكتبات من عمر التاريخ هل نذكر بالمكتبة الظاهرية وغيرها..؟
في كل بيت سوري مكتبة جميلة يتباهى بها الجميع.
ترى هل مازال الأمر كذلك.. وما حال الكتاب السوري في شهره الذي تم اختياره مع فصل الربيع ليحل محل المعارض التي كانت تقام في الخريف؟
هل نوجز الإجابة على السؤال ونقول: إنه بخير.. أو عكس ذلك تماماً..؟
لن نفعل.. فالأمر لا يمكن أن يكون بجواب سريع قاطع لأنه يتعلق بفعل فكري حقيقي.
من المعروف أن طلاب المرحلة الثانوية والجامعية هم عماد انتشار الكتاب بمختلف أنواعه..
نعرف أن مدارسنا في جميع حلقاتها فيها مكتبات تقدم خدماتها للطلاب ولكنها الآن لم تعد كما كانت ذات يوم مع أنها مازالت قائمة، والمكتبات الجامعية بهت دورها كثيراً لأن معظم الطلاب يعتمدون على الملخصات بل موجز الملخصات..
ومع هذا كله فالأمر ليس سيئاً، فثمة أكثر من ٣٠٠ دار نشر في سورية مازال الكثير منها يعمل وينشر ويشارك في المعارض الخارجية ويقدم الكتب الجيدة.
صحيح أن قسماً كبيراً من مكتبات المدن السورية قد تحول إلى أغراض أخرى وهذه ظاهرة عالمية ولكنها كانت أكثر حدة لدينا.
ومع ذلك ما زلت أشعر أن الكتاب موجود يطالعك في الكثير من الأماكن، وعلينا ألا ننسى ظاهرة سوق الكتاب المقام تحت جسر السيد الرئيس.. فهو ليس فقط للكتب القديمة إنما الجديدة وقد حل مكان الكثير من المكتبات التي أغلقت أبوابها.
أما على صعيد المؤسسات السورية التي تنشر فما زال اتحاد الكتاب العرب يقدم كل شهر مجموعة عناوين مهمة في الدراسات والإبداع والترجمة، وكانت الاستراتيجية التي أتبعها في إقامة مكتبات في الأرياف والذهاب إلى القارئ كانت خطوة فاعلة وناجحة جداً.
وقد أشار رئيس الاتحاد الدكتور محمد الحوراني إلى ذلك من خلال تقديم الأرقام التي تحققت من الدخول إلى الجامعات وتقديم الكتاب بسعر رمزي خلال عامين.
مئات آلاف النسخ وصلت إلى الطلاب في مختلف الجامعات السورية وحققت الغاية المرجوة منها .
بدورها الهيئة العامة للكتاب مازالت تنشر وتوزع وتقدم الكتاب بسعر مناسب للجميع مع الإشارة إلى أنها أيضا تعنى بالكتاب الالكتروني.
ومنذ عامين ليس لدينا أرقام حول ما نشرته مع أنه كثير وجيد ناهيك بالدوريات التي تقدمها.
أما وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فهذا أمر آخر له جولة أخرى، فدورها في هذا المجال قد تراجع منذ عقود مع أن الجامعات يجب أن تكون الأكثر قدرة على نشر الكتاب.
وباختصار: إن النجاح الذي يحققه الكتاب السوري في المعارض الخارجية يدل على القدرة على تجاوز المعوقات كلها وإن الكاتب السوري مازال يبدع ويقدم.
وإذا كان لابد من الإشارة فعلينا أن نعترف أن تكاليف طباعة الكتاب الآن أصبحت عالية جداً، ولا حل لها إلا بالكتاب الشعبي الذي يجب أن تتعاون أكثر من جهة لتقديمه، وكنا قد طرحنا عبر عقدين من الزمن الفكرة وحاورنا المؤسسات المعنية بذلك والكل تحمس ووعد ولكنها وعود ذهبت مع أول هبة ريح.
الكتاب في العالم كله مازال بخير ولدينا مازال قريباً من ذلك..
علينا أن نعرف كيف نعيد مجده ومكانته وكيف نربي أطفالنا على الشغف بالقراءة..
وكون الشيء بالشيء يذكر أعجبتني جداً حكاية خوسيه غوتيريز.. عامل النظافة الذي حول بيته إلى أشهر مكتبة مجانية في العالم..
تقول الحكاية الحقيقية التي يتم تداولها على صفحات التواصل الاجتماعي:
(لمدة تتجاوز العشرين عاماً، يعمل خوسيه ألبرتو غوتيريز سائقاً لشاحنة تجمع القمامة في العاصمة الكولومبية بوغوتا، غير أنه اليوم يعد واحداً من أشهر الأشخاص بالقارة الأمريكية، بعد أن نجح في تأسيس مكتبة كبيرة من الكتب الملقاة في القمامة، تضم مجموعة ضخمة من أشهر الروايات وكتابات المشاهير حول العالم.
بدأت قصة عامل النظافة خوسيه غوتيريز مع الكتب سنة 1997، حيث اكتشف ذات صباح أن الناس يلقون في حاويات القمامة أعدادا كبيرة من الكتب، وبدأ يجمع هذه الكتب.
وكانت رواية “آنا كارنينا” للكاتب الروسي الكبير ليو تولستوي أول كتاب عثر عليه خوسيه. وطيلة ساعات الفجر الباردة في العاصمة الكولومبية، تمكن من جمع الآلاف من الكتب، وتخزينها في منزله في حي مويفا غلوريا جنوب بوغوتا.
ومع مرور السنوات أصبح بيته مليئاً بالكتب والروايات والقصص والشعر والكتب التعليمية، مثل “الإلياذة”، “الأمير الصغير”، “عالم صوفي” وكتب الأديب الكولومبي الكبير غبرييال غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل للأدب. حتى أضحى الكثيرون من عشاق الكتب عبر العالم يلقبونه ب” سيد الكتب”.
في عام 2000، حوّل خوسيه مع زوجته وأولادهما الثلاثة الطابق الأول من منزلهم إلى مكتبة عامة مجانية، وأطلقوا عليها اسم “قوة الكلمات”. وحظيت هذه المبادرة بشهرة عالمية وعرفت نجاحا فاق كل التوقعات، وأصبحت أشهر مكتبة في العالم تقدم الكتب مجاناً.
بعد سنوات طور خوسيه وأسرته هذه المبادرة، بعد أن أصبح يتلقى دعوات لحضور معارض كبرى لكتب، كما تلقى الكثير من التبرعات، وتمكنت عائلته من إيصال الكتب إلى كل أرجاء كولومبيا خصوصا في المناطق المهمشة والنائية).
هذه الواقعة تطرح السؤال المهم الذي أيضا عملنا عليه سابقاً: ما مصير مكتبتك الشخصية إذا كان لديك مكتبة..؟
الكتاب ضرورة وليس ترفاً أبداً، ولكن رغيف الخبز قد يكون أولى.. صحيح أن الإنسان لا يحيى بالخبز وحده ولا بد من غذاء العقل ولكن…