الثورة – علاء الدين محمد:
أبولودور الدمشقي- أعظم معمار في التاريخ القديم، قد يتساءل البعض كيف لهذه الشخصية أن تحمل اسماً يونانياً وليس عربياً، طالما أنه ولد من أسرة دمشقية، والحقيقة أن اسم أبولودور في اليونانية يعني هبة أبولو وأبولو هو رب (الشمس والموسيقا والرماية والشفاء) بحسب المعتقدات اليونانية القديمة، يمتلك جمالاً ورجولة مميزة، وقد دخل إلى بلادنا مع الإسكندر المقدوني وله صفات الرب الكنعاني المحلي(نبو)، ثم إن اللغة اليونانية كانت من لغات المخاطبة والكتابة لدى الطبقات المثقفة والتجار في حواضرنا منذ القرن الثالث قبل الميلاد، وحتى الفتح العربي الإسلامي.
بهذه الكلمات بدأ الأستاذ أحمد فرزت طرقجي نشاطه في ثقافي المزة بدمشق تحت عنوان (أبولو دور الدمشقي- مهندس روما) بالتعاون مع محافظة دمشق وجمعية أصدقاء المتاحف والمواقع الأثرية، مضيفاً أن دمشق لم تكن مدينة يونانية في أي وقت من الأوقات.
ولد أبولودور في دمشق سنه 60م وعاش تحت سمائها، وتنشق عبيرها، كما شرب من مياهها وتغذى من خيراتها، ورغم أنه لم يكن من طبقة الارستقراطيين، كان من المقربين للإمبراطور الروماني تراجان، ويتضح من تمثاله النصفي الموجود حالياً في متحف بيونخ، أنه كان قوي البنية متوازن الشخصية جميل الطلعة بملامح مشرقية، وطلعة مهابة.
وبين أنه يرى بعض الباحثين الغربيين أن التأثيرات العمرانية الشرقية في سورية قد ضعفت أيام حكم السلوقيين بسبب إصرارهم على تعميم الثقافة الهلينية، التي حملوها معهم، ولكن بعد سقوطهم زاد عدد تلك التقاليد العمرانية، كما حاولت روما أيضاً بعد سيطرتها على مناطق البحر المتوسط فرض أسلوبها المعماري في تنظيم العمران خلال القرن الأول إلا أنه في القرن الثاني عادت التقاليد الفنية المشرقية إلى الانتشار.
وفي رأي المؤرخ (بيانكي باندينيلي) أن أكثر الدفعات الثقافية حيوية سواء في الفكر أم في الفن كانت تأتي غالباً من مقاطعات الشرق، كما يذكر تاريخ كامبريدج، أن بعض العلماء يرون أن سورية في مجال العمارة كانت متقدمة على روما في عبقريتها المبدعة، وفي معارفها التقنية وفي مهارة عمالها ذلك أن المعمار السوري كان قد أنجز ببراعة فائقة أوابد ضاهت بروعتها أوابد روما، ونحن ما زلنا من بناء المعماريين السوريين ولقد ورث المعمار السوري عن أجداده تقاليد إنشاء الأقواس والقبب مما لم يضاهيه في ذلك أي معمار آخر، وأخذت العمارة الرومانية فيما بعد من تقاليد العمارة السورية بناء القوس.
أكد طرقجي أن أبولودور استخدم في الإنشاء مادة تتمتع بالمرونة والخفة مع المتانة باستخدامه تربة حمراء يؤتى بها من جهات نابولي تخلط بالكلس ويضاف لها رمل ناعم من حجر له صفة تقاوم عوامل الطبيعة من حرارة ورطوبة، وقد أشار المؤرخ باندينيلي إلى أن ابولودور استوحى فكرة التصميم من الساحة ذات الأروقة الموجودة حول معبد جوبيتير في دمشق، ويضيف: وعلى كل حال إن فكرته شرقية أكثر مما هي رومانية.
عمود تراجان
يقول المؤرخ الروماني ديكاسيوس أن تراجان عمل على أن يقيم في الميدان عموداً شاهقاً يكون له قبراً وشاهداً على المنشآت التي أنشاها في روما، ولما كان هذا المكان مرتفعاً اجتسه وجعله سهلاً، وقد عهد بهذه المهمة طبعاً للمعمار أبولودور الدمشقي فأنجزه عام 113م وهو قائم حتى يومنا هذا، يعد أبولودور المهندس الحربي للإمبراطور تراجان، فضلاً عن كونه الصديق الشخصي وقد رافقه في حروبه في الفترة بين الحربين الأولى والثانية، ثم وضع تصاميم جسر العملاق وأنشأه على نهر الدانوب قرب مدينة دوبريسين الحالية في هنغاريا، وقد عمل على إقامته الجيش بأسره خلال عام كامل.