الملحق الثقافي- حسين صقر:
طالما كانت المرأة على مرّ الزمان والعصور بعيدة عن ملازمة للرجل، في المنزل والعمل وحتى ساحات الوغى، فلن تكون أبداً بعيدة عن إبداعاته، حيث إن بين شريحة النساء أعداداً ضخمة برعن في الفن والجمال وحتى القتال.
وبما أن الأعمال الأدبية تلامس الذوق وتغوص في أعماقه، وتصورالبهجة والحزن، وتترك الباب موارباً يشف ولا يكشف، ليُخرج الكاتب مافي جوفه، وينطلق بخياله عبرالأضواء المتساقطة على روحه العاشقة، فسوف يأخذ من وجه المرأة وجسدها ولون عينيها، وطولها وقصرها وعصبيتها و دماثتها صورة منها ليبتكر أخرى توازيها أو تقترب منها أو تشابهها إلى حدّ بعيد.
للأسباب التي تقدّمت كانت المرأة ملهمة، سواء اقتربت أم ابتعدت عن الأديب أو الشاعر، وسواء عاش معها أم لم يعش.
إذاً :فالتأثيرهو القدرة على إحداث تغيير إيجابي في التفكير أو القناعات، وهو ما يخلق سلوكاً إيجابياً منتجاً، والمرأة الفاعلة المؤثرة التي امتلكت بعض الصفات التي تميزها عن غيرها، دفعت بالسواد الأعظم من الكتاب لتكون مصدر إلهامهم، وبالتالي كان لإنتاجهم الأدبي أو الشعري أهمية كبيرة في الوسط الثقافي وحتى الاجتماعي الذي يهتم بهذا المجال.
هذا التأثير بالتأكيد يحتاج لوعي كامل، يحيط الأديب من خلاله بكافة جوانب اللوحة التي ألهمته، ومصطلح الوعي بالذات مصطلح عميق، ويعرف في الأدبيات بأنه القدرة على التحكم في التفكيروالوعي بالمحيط الخارجي في جميع الأوقات، لأن الصورة الإبداعية يمليها العقل الباطن الذي يتخيل الأشياء من حولنا ويحولها إلى حروف وكلمات مكتوبة أومقروءة أو مسموعة.
الشعراء في القديم والحديث تحدثوا عن الإلهام ومصادره وشياطين الشعر ووادي عبقر، وهم إنما يقصدون أن الشعر خيال نتيجة الإلهام، حتى يخرجوا من نطاق المحاسبة العقلية، وكي يضفوا على قولهم الشعري منزلة وأهمية تفوق منزلة الكلام العادي، والمرأة ربما تكون الملهمة الأكثر حضوراً وأهمية وأثراً أو سبباً في الإبداع، ومحركاً للكتابة بغض النظر عما إذا كان دورها قد اقتصر فقط على الشرارة التي انطلقت منها القصيدة أم كان أبعد من ذلك بكثير.
ولو نلقي نظرة سريعة على مراحل الشعر العربي نلاحظ أن دورالمرأة الملهمة كان حاضراً في كلّ العصور، ولكنّه لم يكن بنفس الصورة في كلّ مرحلة، ولعل مصطلح المرأة الملهمة كان أوضح ما يكون في المرحلة الرومانسية التي كانت ثورة على الكلاسيكية في كثيرمن المفاهيم، ومنها الموقف من المرأة والإلحاح على دورها كملهمة.
وعلى سبيل المثال عندما يعيش الكاتب أو الشاعر علاقة حبّ، فإن الحبّ بحدّ ذاته ملهماً، فكيف إذا أحبّ الشاعر بكلّ جوارحه، فغالباً ما يجيء التعبير الأول عن الحبّ شعراً.
فحتى لو كانت تلك الأنثى قد وجدت في حياة الأديب أو الشاعر، فحتماً ستتخذ شكلاً آخر وروحاً أخرى داخل وجدانه، وستكون أكثر جاذبية وأبعد منالاً، وتلهم عواطفه وشعوره، ومتى ما تجردت المرأة الملهمة من كلّ تلك الحجب اللذيذة، المغرية على الكتابة والمحفزة على الإبداع انتفت عنها صفة الإلهام.
العدد 1191 – 28 -5-2024